في الجاهليّة من صدقة أو عتاقة، وصلة رحم، فهل فيها من أجْرٍ؛ فقال النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أسلمتَ على ما سلف من خير".
وفي رواية: أنّ حكيم بن حزام أعتق في الجاهليّة مائة رقبة، وحمل على مائة بعير ثم أعتق في الاسلام مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، ثم أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر نحو حديثه.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٣٦)، ومسلم في الإيمان (١٢٣) كلاهما من حديث ابن شهاب الزهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أنّ حكيم بن حزام. . . (فذكر مثله).
والرواية الثانية عند البخاريّ (٢٥٣٨)، ومسلم - كلاهما من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عنه.
وفي رواية قال: "فواللَّه لا أدعُ شيئًا صنعتُه في الجاهليّة إِلَّا فعلتُ في الإسلام مثله".
وقوله: "التحنُّث" التعبّد.
وقوله: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير" ذهب أكثر أهل العلم إلى تأويله. وقال الحربيّ: "ما تقدّم لك من الخير الذي عملته هو لك كما تقول: أسلمت على ألف درهم، أي على أن أحرزها لنفسه".
قال القرطبي: "وهذا الذي قاله الحربي هو أشبهها وأولاها".
• عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أسلم العبد فحسُن إسلامه، كتب اللَّه له كلَّ حسنة كان أزلفها، ومحيتْ عنه كلّ سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إِلَّا أن يتجاوز اللَّه عزَّ وجلَّ عنها".
صحيح: رواه النسائيّ (٤٩٩٨) من طريق الوليد (هو ابن مسلم)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢٤) من طريق إسماعيل بن أبي أويس - كلاهما قالا: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكره، ولفظهما سواء.
إِلَّا أن البيهقي قال: "أسنده مالك وأرسله ابنُ عيينة، ثم روى الحديث من طريقه مرسلًا".
قلت: الحُكم لمن أسنده لما فيه من زيادة علم.
وذكره البخاريّ في الإيمان (٤١) معلقًا عن مالك، ولم يسنده في موضع آخر، إِلَّا أنه أسقط قوله: "كتب اللَّه له كل حسنة كان أزلفها" لأنَّه مشكل على القواعد؛ لأنَّ الكافر لا يثاب على العمل الصالح الصَّادر منه في كفره وشركه، لأنّ من شرط المتقرب أن يكون عارفًا لمن يتقرّب إليه، والكافر ليس كذلك ذكره المازريّ وغيره، وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال وردَّه النوويُّ فقال: الصواب الذي عليه المحقِّقون -بل نقل بعضُهم فيه الإجماع- أنّ الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصّدقة، وصلة الرّحم، ثم أسلم ومات على الإسلام أنّ ثواب ذلك يكتب له. . . . ".