الأرض ما أدركتَ فضلَ غدوتهم".
رواه الترمذي (٥٢٧) عن أحمد بن منيع، حدَّثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكره.
ورواه أحمد (١٩٦٦) عن أبي معاوية بإسناده مثله.
قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلَّا خمسة أحاديث، وعدَّها شعبة، وليس هذا الحديث فيما عدَّ شعبة، وكأنَّ هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم". انتهى.
قلت: وفي سنده أيضًا الحجاج، وهو ابن أرطاة، وصف بكثرة الخطأ والتدليس وقد عنعن.
ثمَّ قال الترمذي: "وقد اختلف أهل العلم في السفر يوم الجمعة، فلم ير بعضهم بأسًا بأن يخرج يوم الجمعة في السفر، ما لم تحضر الصلاة. وقال بعضهم: إذا أصبح فلا يخرج حتَّى يصلي الجمعة، انتهي.
وكذلك لا يصح ما رُوي أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج مسافرًا يوم الجمعة ضحى قبل الصلاة.
رواه عبد الرزاق (٥٥٤٠) عن الثوري، عن ابن أبي ذئب، عن صالح بن كثير، عن الزهري، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره.
وهو مع إرساله فيه صالح بن كثير، وهو المدني "مقبول" كما في "التقريب".
ولكن ثبت عن عمر بن الخطاب أنَّه رأى رجلًا عليه ثياب سفرٍ، بعد ما قضى الجمعة، قال: ما شأنك؟ قال: أردت سفرًا، فكرهت أن أخرج حتَّى أصلِّي. فقال عمر: إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها.
رواه عبد الرزاق (٥٥٣٦) عن معمر، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين أو غيره، أنَّ عمر رأي رجلًا فذكره.
وفي رواية أخرى رواها عن الثوري، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، قال: أبصر عمر بن الخطاب رجلًا عليه هيئة السفر، وقال الرجل: إنَّ اليوم يوم الجمعة، ولولا ذلك لخرجتُ. فقال عمر: إنَّ الجمعة لا تحبس مسافرًا، فاخرج ما لم يحن الرواح.
وخلاصة ما في هذا الباب: أنَّ المسافر إذا لم يَخَفْ فَوتَ رفقته فالأولى له أن يصلي إن دخل الوقت قبل شروعه في السفر، فإن خاف فوت رفقته، وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقًا؛ لأنَّ هذا عذر يُسقط الجمعة والجماعة. هذا ما رجَّحه الحافظ ابن القيم في "زاد المعاد" (١/ ٣٨٣).
ويقاس عليه اليوم وسائل السفر التي ليست في اختيار المسافر.