أول يوم وُضِع، وأوَّل يوم جلس عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة -امرأة قد سمَّاها سهلٌ-: "مُري غلامكِ النجَّار أن يعملَ لي أعوادًا أجلس عليهنَّ إذا كلَّمتُ الناسَ". فأمرته فعمِلها من طَرْفاء الغابة، ثمَّ جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرَّ بها، فوُضِعت ها هنا، ثمَّ رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى عليها، وكبَّر وهو عليها، ثمَّ ركع وهو عليها، ثمَّ نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثمَّ عاد. فلمَّا فرغَ أقبلَ على الناس فقال:"أيُّها الناس! إنَّما صنعتُ هذا لتأتمُّوا ولتعلموا صلاتي".
متَّفق عليه: رواه البخاري في الجمعة (٩١٧) ومسلم في المساجد (٥٤٤) كلاهما عن قتيبة بن سعيد، قال: حدَّثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاريُّ القرشيُّ الاسكندراني، قال: حدَّثنا أبو حازم بن دينار، فذكر مثلَه. واللفظ للبخاري، وفي رواية:"فعمل هذه الثلاث درجات".
وقوله:"امتروا": من المماراة، وهي المجادلة، ويؤيِّده ما جاء في رواية مسلم:"أن تماروا"، ومعناه تجادلوا.
وقوله:"طَرْفاء الغابة" الطرفاء: شجرٌ، وهي أربعة أصنافٍ، منها الأَثَل، الواحدة: طرفاءة. والغابة: غيضة ذات شجرٍ كثيرٍ في جهة الشام من المدينة.
وفي الحديث جوازٌ للإمام أن يكون في مكانٍ مرتفعٍ إن كان غرضه تعليم الناسِ. وإلَّا فيُكرهُ ذلك.
• عن سهل بن سعد الساعدي، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم يوم الجمعة إذا خطب إلى خشبةٍ ذات فُرضَتين، قال: أُراها من دَومٍ، وكانت في مُصلَّاه، فكان يتَّكئ إليها، فقال له أصحابه: يا رسول الله! إنَّ الناسَ قد كثروا، فلو اتَّخذتَ شيئًا تقوم عليه إذا خطبتَ، يراك الناسُ؟ فقال: ما شئتم، قال سهلٌ: ولم يكن بالمدينة إلَّا نجَّارٌ واحدٌ، فذهبتُ أنا وذاك النجار إلى الخافقين، فقطعنا هذا المنبر من أثلةٍ، قال: فقام عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحنَّت الخشبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تَعجبون لحنين هذه الخشبة! ؟ " فأقبل الناسُ، وفرِقوا من حنينها حتَّى كثُر بكاؤهم، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى أتاها فوضع يده عليها فسكنت، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها فدُفِنت تحت مِنبره، أو جُعِلت في السقف.
حسن: رواه ابن سعد في "الطبقات"(١/ ٢٥٠)، والبيهقي في "الدلائل"(٢/ ٥٥٩) عن أبي بكر ابن أبي أُويس، حدَّثني سليمان بن بِلالٍ، عن سعد بن سعيد بن قيسٍ، عن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه، فذكره.
وإسناده حسنٌ؛ من أجل سعد بن سعيد بن قيس، فإنَّه صدوق سيِّء الحفظ، لكن تابعه عُمارة ابن غزية، عن عبَّاس بن سهل، أخرجه الطحاوي في "المشكل"(٤١٩٦) من طريق ابن لهيعة،