وظنَّ أبو طلحة أنَّها صادقة، قال: فبات، فلمَّا أصبح اغتسل. فلمَّا أراد أن يخرجَ أعلمته أنَّه قد ماتَ! فصلَّي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ أخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بما كان منهما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعلَّ الله أن يُبارك لكما في ليلتكما". قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيتُ لهما تسعة أولادٍ كلُّهم قد قرأ القرآن.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (١٣٠١) عن بشر بن الحكم، حدَّثنا سفيان بن عيينة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنَّه سمع أنسًا فذكره.
ورواه مسلم في فضائل الصّحابة (٢١٤٤) من طريق بهز، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: "مات ابن لأبي طلحة من أمِّ سُلَيم، فقالت لأهلها: لا تُحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتَّى أكون أنا أُحدِّثه. قال: فجاء، فقرَّبت إليه عَشاءً. فأكل وشرب. فقال: ثمَّ تصنَّعت له أحسن ما كان تصنَّعُ قبل ذلك، فوقع بها. فلمَّا رأت أنَّه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة! أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيتٍ، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، وقال: تركتني تلطَّختُ ثمَّ أخبرتني بابني؟ ! فانطلق حتَّى أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بما كان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما". فذكر الحديثَ وفيه قصَّة تحنيك الأبن لأم سُليم.
ورواه أبو داود الطيالسيّ في مسنده (٢١٦٨)، عن سليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة،
وجعفر بن سليمان، كلهم عن ثابت، عن أنس، وساق بهذا الإسناد قصة أم سليم بشيءٍ من
التفصيل، وها أنا أسوقها بكاملها لاشتمالها على فوائد كثيرةٍ، قال: قال مالكٌ أبو أنسٍ لامرأته أم
سليم -وهي أم أنس-: إنَّ هذا الرجل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يُحرِّم الخمرَ، فانطلَق حتَّى أتى الشامَ
فهلك هناك، فجاء أبو طلحة، فخطب أمَّ سُليم، فكلَّمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلكَ
يُردُّ، ولكنَّكَ امروءٌ كافرٌ، وأنا امرأةٌ مسلِمة، لا يصلُح لي أن أتزوَّجَك. فقال: ما ذاكِ دهركِ.
قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء. قالت: فإني لا أُريد صفراءَ ولا بيضاءَ، أُريدُ منكَ
الإسلامَ. قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فانطلق أبو طلحة يُريدُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -،
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ في أصحابه، فلمَّا رآه قال: "جاءكم أبو طلحة، غُرَّة الإسلامِ بينَ عينيه".
فجاء، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بما قالت أمُّ سُليم، فتزوَّجها على ذلك. قال ثابتٌ: فما بلغنا أنَّ مهرًا كان أعظم منه، إنَّها رضيت الإسلامَ مهرًا، فتزوَّجها، وكانت امرأةً مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتَّى وُلِد له بُنَيٌّ، وكان يُحبُّه أبو طلحة حبًّا شديدًا، ومرِض الصبيُّ، وتواضعَ أبو طلحة لمرضه، أو تضعضعَ له، فانطلق أبو طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومات الصبيُّ، فقالت أم سليم: لا ينعينَّ إلى أبي طلحة أحدٌ ابنه، حتَّى أكون أنا الذي أنعاء له. فهيَّأت الصبيَّ ووضعته، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّي دخل عليها، فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة! ما كان منذ اشتكي