والبيضاء وصف، وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري، وكان سُهيل قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وغيرها، توفِّي سنة تسع من الهجرة".
والحديث يدل على جواز الصلاة في المسجد، وبه قال الشافعي وأحمد وبعض أصحاب مالك، ومن الصحابة أبو بكر وعمر وعائشة وأزواج النبي -صلي الله عليه وسلم- وقد صُلِّي على أبي بكر وعمر في المسجد، ولم يُنْكر عليه، فصار كالإجماع.
وكذلك يدل على جواز حضور النساء لصلاة الجنازة إنْ كانتْ تصلي في المسجد، فإنه لم ينكر أحد من الصحابة على فعل أزواج النبي -صلي الله عليه وسلم- فصار كالإجماع.
وأما ما رُويَ عن أبي هريرة مرفوعًا: "من صلَّى على جنازة في المسجد فلا شيء له"، وفي رواية "فلا شيء عليه" فهو ضعيف لأنه من رواية صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، رواه أبو داود (٣١٩١) وابن ماجه (١٥١٧) وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب، قال: حدثني صالح مولي التوأمة فذكر الحديث.
وصالح مولى التوأمة نغير واختلط في آخره، ولعل اختلاف تفظ الحديث يعود إليه، وفيه دليل واضح على اختلاطه، وإن كان ابن أبي ذئب قد سمع منه قبل الاختلاط، على قول أكثر أهل العلم إلا أن البخاري قال: "سماعه منه أخيرًا، روى عنه مناكير"، ولذا ذهب جمهور أهل العلم إلى تضعيف هذا الحديث منهم الإمام أحمد وابن المنذر وابن عدي والخطابي حتى قال ابن حبان في "الضعفاء" (١/ ٣٦٦): "وهذا خبر باطل، كيف يخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن المصلي في الجنازة لا شيء له من الأجر، ثم يصلي هو - صلى الله عليه وسلم - على سهيل ابن البيضاء في المسجد".
وبعد ضعف حديث أبي هريرة هذا لا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث عائشة الصحيح، كما فعل العلامة أبو الحسن السندي، لأنه يصار إلى الجمع إذا صحَّ الحديثان -وفي الظاهر- أنهما متعارضان كما هو معروف في علم مصطلح الحديث باسم "مختلف الحديث"، وأما إذا صحَّ أحدهما، وضَعُف الثاني فيصار إلى تقديم الصحيح على الضعيف كما قال به جمهور أهل العلم في هذا الحديث.
وسلك الطحاوي مسلكًا آخر فجعل حديث عائشة منسوخًا، وأجاب عنه البيهقي في "المعرفة" (٥/ ٣٢٠): "ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما روته عائشة لذكره يوم صُلّي على أبي بكر في المسجد، أو يوم صُلّي على عمر بن الخطاب في المسجد، ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد، أو ذكره أبو هريرة حين روتُ فيه الخبر، وإنَّما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز، فلمَّا روتْ فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه، ولا عارضوه بغيره".