قال البغوي رحمه الله: "ويقال: كان قبر أمه بالأبواء، فمر به عام الحديبية، ويُروى أنه زار قبر أمه في ألْف مُقنع، أي: في ألْف فارس مُغَطَّى بالسلاح"، "شرح السنة" (٥/ ٤٦٣).
وقوله: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي" يحتمل أن يكون هذا الاستئذان قبل نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: ١١٣] ويحتمل أن يكون بعد ذلك، وارتجي خصوصية أمه بذلك.
وفي الحديث جواز زيارة قبر المشركين للموعظة والذكرى بمشاهدة قبرهم، ويؤيد ذلك آخر الحديث: "فزوروا القبور فإنها تذكر الموت وقبر المسلم والمشرك فيه سواء.
• عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإن فيها عِبرةً، ونهيتكم عن النبيذ فاشربوا، ولا أحل مسكرًا، ونهيتكم عن الأضاحي فكلوا".
حسن: رواه أحمد (١١٣٢٩) عن يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك، عن أُسامة، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمه، عن أبي سعيد الخدري فذكره.
وإسناده حسن لأجل أسامة وهو: ابن زيد الليثي المدني حسن الحديث.
ورواه الحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٧٤) من طريق أسامة بن زيد بإسناده، وقال: صحيح على شرط مسلم".
قلت: وهو كما قال، إلا أن أسامة بن زيد تكلم فيه النسائي، فقال: "ليس بالقوي"، ومشاه أبو حاتم، وقال العجلي: "ثقة" والخلاصة فيه كما قال الحافظ: "صدوق يهم"، فلا بأس بالاستشهاد به، لأنه أرجو أنه لم يهم في هذا الحديث.
وعم محمد بن حَبَّان هو: واسع بن حبَّان بن منقذ صحابي ابن صحابي.
ورواه البزار "كشف الأستار" (٨٦١) من وجه آخر وفيه: "نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادخروا، ونهيتكم عن زيارة القبور فزُوروها، ولا تقولوا ما يُسخط الرب، ونهيتكم عن الأوعية فانتبذوا، وكل مسكر حرام".
قال البزار: وعمر ومحمد قد حدَّث كل منهما بأحاديث لم يتابع عليها.
قلت: عمر هو: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ثقة من رجال الشيخين، وكذلك أبوه محمد وهو من رجال الجماعة.
وأورده الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٨٥) وقال: "رجاله رجال الصحيح".
فلا يضر عدم المتابعة على أحاديثهما إذا كان في الإسناد من قبلهما ومن بعدهما ثقات.
• عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنت نهيتكم عن زيارة القبور،