حدّثنا أُبي بن كعب، قال (فذكر الحديث بطوله).
ونوف هو ابن فضالة الحميريّ البكاليّ -بفتح الموحدة وكسرها وتخفيف الكاف، منسوب إلى بكال بطن من حمير- وهو ابن امرأة كعب الأحبار. ذكره خليفة في الطبقة الأولى من الشاميين، وعن أبي عمران الجوني: كان نوفٌ ابن امرأة كعب أحد العلماء، وعن يحيى بن أبي عمرو الشّيبانيّ: كان نوف إمامًا لأهل دمشق.
ووقع ذكره في الصحيحين في هذا الحديث، وإنّما كذّبه ابن عباس لأنه رواه عن أهل الكتاب وهم كذبوا على موسى عليه السلام، وإلّا فهو تابعيّ فاضل.
وقوله: "ما نقص علمي وعلمك من علم اللَّه" لفظ النّقص ليس على ظاهره، لأنّ علم اللَّه لا يدخله النّقص.
قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: هذا له وجهان:
أحدهما: أنّ نقر العصفور ليس بناقص للبحر فكذلك علمنا لا ينقص من علمه شيئًا، وهذا كما قيل:
ولا عيب فينا غير أنّ سيوفنا ... بهنٌ فلول من قراع الكتائب
أي ليس فينا عيب. وعلى هذا قول اللَّه عزّ وجلّ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: ٦٢] أي لا يسمعون فيها لغوًا البتّة.
والآخر: أنّ قدر ما أخذناه جميعًا من العلم إذا اعتبر بعلم اللَّه عزّ وجلّ الذي أحاط بكلّ شيء، لا يبلغ من علم معلوماته في المقدار إلّا كما يبلغ أخذ هذا العصفور من البحر، فهو جزء يسير فيما لا يدرك قدره، فكذلك القدر الذي علّمناه اللَّه تعالى في النسبة إلى ما بعلمه عزّ وجلّ كهذا القدر اليسير من هذا البحر، واللَّه ولي التوفيق. انظر: الأسماء والصفات للبيهقيّ (١/ ٢٩٧).
ثم قال البيهقي: "وقد رواه حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير مبيّنًا إلّا أنّه وقفه على ابن عباس رضي اللَّه عنهما".
ثم قال: أخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا إسماعيل بن الخليل، أنا علي بن مسهر، أنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: بينما موسى يخاطب الخضر، والخضر يقول: ألستَ نبي بني إسرائيل؟ فقد أوتيتَ من العلم ما تكتفي به. وموسى يقول له: إنّي قد أُمرتُ باتباعك، والخضر يقول: إنك لن تستطيع معي صبرًا. قال: فبينا هو يخاطبه إذ جاء عصفورٌ فوقع على شاطئ البحر فنقر منه نقرة ثم طار فذهب، فقال الخضر لموسى: يا موسى هل رأيتَ الطير أصاب من البحر؟ قال: نعم، قال: ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم اللَّه عزّ وجلّ إلّا بمنزلة ما أصاب هذا الطّير من هذا البحر. انتهى.
• عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلّمنا الاستخارةَ في الأمور كلّها