ولكن قال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٧٦) بعد أن عزاه إلى الأوسط: "فيه محمد بن صدقة، وهو ضعيف".
قلت: إن كان محمد بن صدقة هو الجبلانيّ أبو عبد الله الحمصيّ من رجال "تهذيب الكمال" فلم أجد من ضعّفه، بل قال فيه النسائيّ: "لا بأس به". وقال أبو حاتم: "صدوق". وإن كان غيره فلم أهتد إليه، ولم يترجمه ابن حبان لا في "الضعفاء" ولا في "الثقات"، وكذلك لم يذكره العقيليّ في "الضعفاء" فالغالب أنه التبس على الحافظ الهيثميّ، والله تعالى أعلم.
وأمّا ما رواه أبو داود (١٦٠٥)، والترمذيّ (٦٤٣)، والنّسائيّ (٢٤٩١)، وصحّحه ابن خزيمة (٢٣١٩, ٢٣٢٠)، وابن حبان (٣٢٨٠)، والحاكم (١/ ٤٠٢) كلّهم من طريق شعبة، قال: سمعت خبيب بن عبد الرحمن يحدّث عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، قال: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا خرصتم فجذّوا ودعوا الثّلث، فإن لم تدعوا أو تجذّوا الثلث فدعوا الرّبع".
فالظاهر أنّ فيه خطأ؛ لأنّ حديث الخرص لأبيه أبي حثمة الذي بعثه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خارصًا، وأمّا سهل فولد سنة ثلاث من الهجرة وكان عمره عند وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين سبع سنوات إلى ثمان، وإن كان روى عنه أحاديث.
ومن أهل العلم من جعل هذا الحديث من مسند سهل بن أبي حثمة، ولكن فيه عبد الرحمن بن مسعود بن نيار لم يوثقه أحد، وإنّما ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الذهبيّ: تفرّد عنه خبيب ابن عبد الرحمن، وقال ابن القطّان: "لا يعرف" يعني أنّه مجهول. انظر أيضًا: "بيان الوهم والإيهام" (٤/ ٢١٥).
وأمّا التّرمذي فسكت عليه ولم يتعرّض له بقول: لا بتصحيح ولا تحسين ولا تضعيف.
قال الترمذيّ عقب حديث سهل بن أبي حثمة: "والعمل على حديث سهل بن أبي حثمة عند أكثر أهل العلم في الخرص. وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول أحمد وإسحاق. والخرص إذا أدركتِ الثّمار من الرّطب والعنب مما فيه الزّكاة، بعث السّلطان خارصًا يخرص عليهم. والخرص أن ينظر من يُبْصر ذلك فيقول: يخرج من هذا الزبيب كذا وكذا، ومن التمر كذا وكذا، فيحصي عليهم، وينظر مبلغ العُشر من ذلك، فيُثْبتُ عليهم، ثم يُخلِّي بينهم وبين الثمار، فيصنعون ما أحبّوا، فإذا أدركت الثمار أُخذ منهم العُشر.
هكذا فسّره بعضُ أهل العلم، وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق". انتهى.
قلت: الخرص والحزر بمعنى واحد وهو التقدير. انظر للمزيد: "المنّة الكبرى" (٣/ ١٧٧ - ١٧٨).
وفي الباب ما رُوي عن عائشة أنها قالت -وهي تذكر شأن خيبر-: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النّخل حتّى يطيب قبل أن يؤكل منه".