وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أمِّ سلمة زوجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بينا هو يومًا قائلٌ في بيتها وعنده رجلٌ من أصحابه يتحدثون إذ جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله! كم صدقه كذا وكذا من التمر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذا وكذا". قال الرجل: فإني فُلانًا تعدي عليَّ فأخذ مني كذا وكذا من التَّمْر، فازداد صاعًا، فقال لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فكيف إذا سعى عليكم من يتعدى عليكم أشدَّ منْ هذا التَّعدي؟ ". فخاض القوم وبهرهم الحديث حتَّى قال رجل منهم: كيف يا رسول الله! إذا كان رجل غائبٌ عنك في إبله وماشيته وزرعه فأدَّي زكاة ماله فتعدَّي عليه الحق فكيف يصنع وهو غائبٌ عنك؟ ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدَّى زكاة ماله طيِّب النفس بها يريد بها وجه الله والدار الآخرة، فلم يغيب شيئًا من ماله، وأقام الصلاة، ثم أدَّى الزَّكاة فتعدَّى عليه في الحقِّ، فأخذ سلاحًا فقاتل فقتل فهو شهيد".
رواه الطبرانيّ في الكبير (٢٣/ ٢٧٨)، وفي الأوسط (مجمع البحرين ١٣٧٠) وهذا لفظه.
ورواه الإمام أحمد (٢٦٥٧٤) مختصرًا، كلّهم من حديث عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشّياني، عن علي بن الحسين، قال: حدّثتنا أمُّ سلمة قالت (فذكرته).
وأورده الهيثميّ في "المجمع" (٣/ ٨٢) وقال: "رواه أحمد مختصرًا، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الجميع رجال الصّحيح".
وصحّحه ابن خزيمة (٢٣٣٦)، وابن حبان (٣١٩٣)، والحاكم (١/ ٤٠٤) كلّهم من هذا الطّريق.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشّيخين".
قلت: القاسم بن عوف الشّيباني روى له مسلم وحده حديثًا واحدًا فقط، وهو حديث الأوّابين وقال النسائي عقب تخريج حديثه في اليوم والليلة "القاسم ضعيف الحديث"، كما قال الحافظ في "التهذيب، وتركهـ شعبه ولم يرو عنه، قال ابن المديني: ذكرناه ليحيي فقال: قال شعبة: دخلت عليه فحرك رأسه. قلت ليحيى: ما شأنه؟ قال: فجعل يحيد. فقلت: ضعّفه في الحديث؟ فقال: لو لم يضعّفه لروي عنه. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عندي الصّدق. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم أجد له متابعًا.
وفي حديثه نكارة في قوله: "فأخذ سلاحًا فقاتل فقُتل فهو شهيد" لأنّه من المعلوم أن الأحاديث الواردة في تعدي المصدقين على أموال الزكاة تحث على الصبر لا على القتال.
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أمِّ سلمة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقص مالٌ من صدقة، ولا عفا رجل عن مظلمة إلّا زاده الله بها عزًّا، فاعفوا يعزكّم الله، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر".