يخرج ولا يولج". ويُذكر عن أبي هريرة أنه "يفطر" والأول أصحّ".
ونقل عنه الترمذي في "العلل الكبير" (١/ ٣٤٣): "سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلّا من حديث عيسي بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وقال: ما أراه محفوظًا. وقد روي يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم، أنّ أبا هريرة كان لا يرى القيء يُفطر الصّائم" انتهى.
قلت: والذي قاله البخاري في "التاريخ الكبير" (١/ ٩١ - ٩٢): هو قال لي مسدّد، حدّثنا عيسي بن يونس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استقاء فعليه القضاء".
قال: ولم يصح، وإنما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، رفعه.
وخالفه يحيى بن صالح، قال: ثنا معاوية، قال: ثنا يحيى، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، سمع أبا هريرة، قال: "إذا قاء أحدكم فلا يفطر، فإنّما يخرج ولا يولج".
يفهم من قول البخاري أنه يقارن بين رواية عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة المرفوع.
وبين ما رواه يحيي بن صالح، عن معاوية ... من كلام أبي هريرة.
ولا شك أن رواية عبد الله بن سعيد المرفوع ضعيف لضعف عبد الله بن سعيد، فإنّ أهل العلم مطبقون على تضعيفه؛ ولذا تجنب أصحاب الصحاح مثل ابن خزيمة والحاكم، وأصحاب السنن من إخراج هذا الحديث من طريق عبد الله بن سعيد، وإنما أخرجوه من طريق عيسي بن يونس، وحفص بن غياث بإسنادهما. ونصَّ الدارقطني -وهو إمام في النقد- بأنّ رجاله كلّهم ثقات.
ثم ما رواه عيسي بن يونس، وحفص بن غياث، فإن الجزء الأول منه وهو قوله: "من ذرعه القيء فليس عليه القضاء"، موافق لفتوى أبي هريرة، فلا مخالفة بين ما رواه وبين ما أفتى به.
وأما قوله: "من استقاء فعليه القضاء" فهو مسكوت عنه في فتواه.
وحيث رواه ثقتان حافظان، ولا معارض لهما فهو صحيح حسب القواعد الحديثية؛ لأنه لا علّة فيه ولا شذوذ.
ولذا صححه كثير من الحفّاظ، قال النووي في "المجموع" (٦/ ٣١٦): "فالحاصل أن حديث أبي هريرة بمجموع طرقه وشواهده المذكورة حديث حسن. وكذا نص على حسنه غير واحد من الحفاظ، وكونه تفرد به هشام بن حسان لا يضر؛ لأنّه ثقة وزيادة الثقة مقبولة عند الجمهور من أهل الحديث والفقه والأصول".
وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة: "والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الصائم، إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وإذا استقاء عمدًا، فليقضِ، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق".