أو لأنّ مخرمة بن بكير كان يروي عن أبيه وجادة من كتاب ولم يسمع منه، فلعلّه انتقل بصره من هذا المتن إلى إسناد آخر، فحدّث به كذلك.
وأما أصحاب الصِّحاح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، فمشوا على الجادة بأن من رفع عنده زيادة علم، ولم ينظروا إلى اختلاف الرواة قلة وكثرة.
وكذلك لا يصح أيضًا ما رواه ابن ماجه (٢٨٩٢) عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحجاج والعُمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروا غفر لهم".
رواه من طريق صالح بن عبد الله بن صالح مولى بني عامر، حدّثني يعقوب بن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، فذكره.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا البيهقيّ (٥/ ٢٦٢) وقال: "صالح بن عبد الله منكر الحديث".
قلت: وهو كما قال، وقد قال مثله البخاريّ، وابن عدي، وفي التقريب: "مجهول".
ووهم الحافظ المنذريّ فعزاه في "الترغيب والترهيب" (١٧٢٣) للنسائيّ أيضًا. والصّواب حديث النسائيّ هو كما مضى، وهذا اللفظ تفرّد به ابن ماجه؛ ولذا ذكره البوصيريّ في زوائد ابن ماجه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن عمر مرفوعًا: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم".
رواه ابن ماجه (٢٨٩٣)، وصحّحه ابن حبان (٤٦١٣) كلاهما من حديث عمران بن عيينة، حدّثنا عطاء بن السّائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، فذكره.
وعمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، ولكن علته شيخه عطاء بن السائب فإنه مختلط، وهو روي عنه بعد الاختلاط، كما أنه خولف فيه.
وأمّا البوصيريّ فحسّن إسناده وقال: "عمران مختلف فيه. وقال: رواه البيهقي من هذا الوجه فوقفه ولم يرفعه".
ولم يشر إلى اختلاط عطاء واضطرابه في الرفع والوقف فتنبّه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن جابر مرفوعًا: "الحجّاج والعمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، سألوه فأعطاهم".
رواه البزار -كشف الأستار (١١٥٣) - عن الوليد بن عمرو، ثنا أبو عاصم، ثنا محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكره.
قال البزار: "لا نعلمه عن جابر إلا عن ابن المنكدر. ورواه عنه ابن أبي حميد وطلحة بن عمرو".
ومحمد بن أبي حميد هو إبراهيم الأنصاريّ الزرقي اتفق أهل العلم على أنه ضعيف منكر الحديث.
وأما طلحة بن عمرو فهو ابن عثمان الحضرمي المكي أضعف من محمد بن أبي حميد قال فيه الحافظ: "متروك".