الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ"، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: "أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ، وَهُوَ يُلَبِّي".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (١٦٦) عن الإمام أحمد بن حنبل (وهو في المسند ١٨٥٤) عن هُشيم، أخبرنا داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن ابن عباس، فذكره.
ورواه مسلم أيضًا من وجه آخر عن ابن عدي، عن داود وفيه: "كأني أنظر إلى موسى" (فذكر من لونه وشعره شيئًا لم يحفظه داود) وفيه: "واضعًا إصبعه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية مارًا بهذا الوادي".
وقوله: "جؤار" من جأر يجْأر جأرًا وجؤارًا: رفع صوته، يقال: جأر إلى الله: تضرَّع واستغاث، وفي كتاب الله: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}.
وقوله: "خُلْبة" الليف كما جاء في "حلية الأولياء" (٣/ ٩٦): خطامها من ليف.
وأما ما رُوي عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وغيرهم من فضيلة الحج ماشيًا فكلَّها ضعيفة.
أما حديث ابن عباس، فرواه الطبراني في "الكبير" (١٢/ ١٠٥)، وفي "الأوسط" -"مجمع البحرين" (١٦٥٥) -، والحاكم (١/ ٤٦٠ - ٤٦١)، والبزار -"كشف الأستار" (١١٢٠) - كلهم من طريق عيسي بن سوادة، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، قال: مرض ابن عباس مرضة ثقل منها، فجمع إليه بنيه وأهله فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حجّ من مكة ماشيًا حتى يرجع إليها، فله بكلّ خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم"، فقال رجل: وما حسنات الحرم يا رسول الله؟ قال: "فإن كلّ حسنة منها مائة ألف حسنة". ولم يذكر البزار القصة.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد" ورده الذهبي فقال: "ليس بصحيح أخشى أن يكون كذبًا، وعيسى قال أبو حاتم: "منكر الحديث".
قلت: وعيسى بن سوادة هذا النخعيّ، كذّبه ابن معين.
وأما كلام أبي حاتم، فكما في "الجرح والتعديل" (٦/ ٢٧٧): "ضعيف، رُوي عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، عن ابن عباس، حديثًا منكرًا" كأنه يعني هذا.
ورواه ابن خزيمة (٢٧٩١) من هذا الوجه وقال: "إن صح الخبر، فإن في القلب من عيسي بن سوادة هذا".
قلت: لم يصح هذا الخبر، لقد سبقه كلام أهل العلم في عيسى بن سوادة هذا أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (١٧١٩) ونقل عن البخاري قوله: "هو منكر الحديث"، ومعنى قول البخاري: لا تحل الرواية عنه.