ولكن ذكر ابن عدي في "الكامل" في ترجمة (أفلح بن حميد) (١/ ٤٠٨): أن الإمام أحمد أنكر على أفلح في هذا الحديث قوله: "ولأهل العراق ذات عرق" ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه شيئًا.
وقال: قال ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره على أفلح بن حميد. فقيل له: يروي عنه غير المعافي؟ فقال: المعافي بن عمران ثقة.
قال ابن عدي: "أفلح بن حميد أشهر من ذاك، وقد حدّث عنه ثقات الناس، مثل ابن أبي زائدة، ووكيع، وابن وهب، وآخرهم القعنبي، وهو عندي صالح، وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة كلها. وهذا الحديث ينفرد به معافي عنه".
قلت: فهو يحمل هذا التفرد على المعافى بن عمران الذي أكّد فيه الإمام أحمد بأنه ثقة.
والمقصود بالتّفرد هنا قوله: "وقّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق ذات عرق"، ولكن له شواهد كما تقدم، وكما سيأتي.
• عن ابن عمر، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلَأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (٥٤٩٢) عن محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، سمعت صدقة بن يسار، قال: سمعت ابن عمر يحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره. وإسناده صحيح.
وقوله: "ولأهل العراق ... إلخ" لم يسمعه ابن عمر من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإنّما سمعه من بعض الصّحابة، كما يدل عليه ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٩٣ - ٩٤) من طريق جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل الطّائف قرنًا قال ابن عمر: وحدّثني أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل العراق ذات عرق.
قال أبو نعيم: "هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون، لم نكتبه إلّا من حديث جعفر عنه".
وهذا الحديث يكون جوابًا من ابن عمر في قوله في بداية الأمر لما سئل عن العراق، فقال: "لا عراق يومئذ" وهو ما رواه الإمام أحمد (٤٥٨٤) عن سفيان، سمع صدقةُ ابن عمر يقول -يعني عن النبي - صلى الله عليه وسلم --: "يهل أهل نجد من قرن، وأهل الشام من الجحفة، وأهل اليمن من يلملم".
ولم يسمعه ابن عمر، وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - "مُهلّ أهل المدينة ذا الحليفة" قالوا له: فأين أهل العراق؟ قال ابن عمر: لم يكن يومئذ. ورواه أيضًا (٦٢٥٧) عن جرير، عن صدقة بن يسار، نحوه.
وقوله: "ولم يسمعه ابن عمر" أي "أهل اليمن من يلملم" كما ثبت ذلك في الصّحيحين كما سبق.
ثم عرف ذلك بواسطة بعض الصّحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق.
فكان ابن عمر أحيانًا يضيف ذلك إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومرسل الصحابي حجة باتفاق، وأحيانًا