قَالَ سَعِيدُ: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ فِي مُصَلاهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ.
رواه أبو داود (١٧٧٠) عن محمد بن منصور، حدّثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم-، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني خُصيف بن عبد الرحمن الجزريّ، عن سعيد بن جبير، قال (فذكره).
ومن هذا الوجه رواه أيضًا الإمام أحمد (٢٣٥٨) وصحّحه الحاكم (١/ ٤٥١) على شرط مسلم.
والصّواب أنه ليس على شرط مسلم، فإن خصيف بن عبد الرحمن الجزريّ ليس من رجال مسلم، ثم هو مختلف فيه فضعّفه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما؛ لأنه كما قال أبو حاتم: يخلط وتُكلِّم في سوء حفظه. وقال ابن حبان: "كان شيخًا صالحًا فقيهًا عابدًا إلا أنه كان يخطئ كثيرًا فيما يروي، وينفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه، وهو صدوق في روايته".
وقال البيهقيّ (٥/ ٣٧): "خصيف الجزريّ غير قوي، وقد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عباس إلا أنه لا تنفع متابعة الواقدي، والأحاديث وردت في ذلك عن ابن عمر وغيره أسانيدها قوية ثابتة". اهـ.
وأورده البغويّ في "شرحه" (٧/ ٥٨) بصيغة التمريض إشارة إلى ضعفه.
فقوله في الحديث: "وأيم الله لقد أوجب في مصلاه" يخالف ما رواه الثقات عن ابن عباس بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أهلّ حين استوت راحلته على البيداء.
وحديث ابن عباس هذا رواه الترمذي (٨١٩)، والنسائي (٢٧٥٥) كلاهما عن قتيبة، حدّثنا عبد السلام، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل في دبر الصلاة. هكذا روياه باختصار.
واختلف حكم الترمذيّ في النّسخ، ففي نسخة "حسن غريب"، وفي نسخة "غريب".
وأمّا قول الترمذيّ: "لا نعرف أحدًا رواه غير عبد السلام بن حرب" فقد رأيت رواه أيضًا محمد ابن إسحاق مطوّلًا، فإن كان قصده هكذا مختصرا فصحيح وإلا فلا. ثم قال الترمذي: "وهو الذي يستحبه أهل العلم أن يُحرم الرجل في دبر الصلاة".
قلت: وهو قول أبي حنيفة والإمام أحمد وغيرهما.
وذهب مالك، والشافعي، وغيرهما إلى أن الأفضل أن يُحرم عند ابتداء السير وانبعاث الرّاحلة.
وأمّا ما رُوي عن سعد بن أبي وقاص قال: "كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفرع أهلّ إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أحد أهلَّ إذا أشرف على جبل البيداء" فهو ضعيف.
رواه أبو داود (١٧٧٥) عن محمد بن بشار، حدّثنا وهب -يعني ابن جرير-، حدّثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي الزّناد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، قالت: قال سعد بن أبي وقاص، فذكرته. وابن إسحاق مدلس، وقد انفرد بهذه السنة ولم يتابعه على ذلك أحد.