ابن عباس، عن الفضل بن عباس، ولفظه: "ولم يزل -عليه السلام- يُلبِّي حتى أتم رمي جمرة العقبة"، ذكره ابنُ التركماني في الجوهر النقي، وقال: "إسنادُه جيد".
ولكنْ استغربه البيهقي (٥/ ١٣٧) وقال: "تكبيره مع كل حصاةٍ" كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاةٍ، كما رُوينا في حديث عبد الله بن مسعود، وقوله: "يُلبِّي حتى رمي الجمرة" أراد به حتى أخذ في رمي الجمرة".
وقال: "وأما ما في رواية الفضل بن عباس من الزيادة فإنها غريبة، أوردها محمد بن إسحاق بن خزيمة، واختارها، وليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس" انتهى.
قلت: الغريب في الأمر أن البيهقي روي بعد ذلك حديث عبد الله بن مسعود، وفيه تهليل، وتكبير، وهو ما يأتي.
• عن ابن سخبرة قال: غدوتُ مع عبد الله بن مسعود من مني إلى عرفات، فكان يُلبِّي، قال: وكان عبد الله رجلًا آدم له ضفران عليه مِسحةُ أهل البادية، فاجتمع عليه غوغاءُ من غوغاء الناس، قالوا: يا أعرابي! ، إن هذا ليس يوم تلبية، وإنما هو يومُ تكبير، قال: فعند ذلك التفتَ إليّ فقال: أجهل الناسُ أم نسوا، والذي بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق لقد خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما ترك التلبية حتى رمي جمرة العقبة، إلا أن يخلطها بتكبير، أو تهليل.
حسن: رواه الإمام أحمد (٣٩٦١) وابنُ خزيمة (٢٨٠٦) والحاكم (١/ ٤٦١، ٤٦٢) وعنه البيهقي (٥/ ١٣٨) كلهم من حديث صفوان بن عيسى، أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن سخبرة، فذكره.
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
وإسناده حسن من أجل الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وهو مختلف فيه غير أنه حسن الحديث.
والنكارةُ في حديثه ما رواه عنه الدراوردي، كما قال أبو حاتم، وهذا ليس منها.
ورواه الطحاوي في "شرح المشكل" (٣٩٢٩، ٣٩٣٠) من وجهين آخرين: عبد الله بن المبارك، والدراوردي، كلاهما عن الحارث بن أبي ذُباب به نحوه. فلم ينفرد الدراوردي، بل تابعه عبد الله ابن المبارك، وقبله صفوان بن عيسي. ففي حديث عبد الله بن مسعود الجمعُ بين التكبير، والتهليل.
قال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (١٣/ ٨١): "وقال أحمد، وإسحاقُ، وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها" قالوا: وهو ظاهر الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبِّي حتى رَمي جمرة العقبة، ولم يقل أحدٌ من رواة هذا الحديث: حتى رمَي بعضَها،