أنّ لا تطوفي بالبيت". فلما دخلنا مكة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة، إلّا من كان معه الهدي".
فهذا التخيير الذي في حديث حماد (هو ابن سلمة) فيه نكارة لأنّ الصحيح أنّ التخيير وقع في ذي الحليفة أما في سرف فإما الترغيب وإما الجزم، ويدل عليه أنّ مسلمًا قال بعد ما ساقه من حديث حماد: "بنحو الماجشون" وفي حديث الماجشون الجزم بفسخ الحج إلى العمرة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها عمرة".
فإمّا أن يكون حماد بن سلمة قد روي عن وجهين، فوهم في أحدهما، أو من روى عنه أخطأ عليه.
ولحماد بن سلمة إسناد آخر رواه عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر، أنه قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وأصحابه ملبين بالحجّ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي".
رواه الإمام أحمد (٤٨٢٢) عن روح وعفان، قالا: حدّثنا حماد بن سلمة، فذكره، مطوّلًا. وظاهر إسناده صحيح.
ورواه الإمام أحمد من ثلاثة أوجه أخرى عن حميد وهو ابن أبي حميد الطويل، عن بكر وهو ابن عبد الله المزني، عن ابن عمر، فكلّهم خالفوا حمادًا في قوله: "من شاء".
ومن هذه الأوجه الثلاثة:
الوجه الأول: يزيد بن هارون، عن حميد، بإسناده، قال بكر: قلت لابن عمر: إنّ أنسًا حدّثنا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أهلّ بعمرة وحجّ، فقال: وهل أنسي، إنما أهلذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجّ وأهللنا معه، فلما قدم قال: "من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة" وكان مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هدي فلم يحل.
ومن هذا الطريق رواه الإمام أحمد (٤٩٩٦).
والوجه الثاني: سهل بن يوسف، عن حميد، بإسناده نحوه.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا الإمام أحمد (٥١٤٧).
والوجه الثالث: محمد بن أبي عدي، عن حميد بإسناده نحوه.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا الإمام أحمد (٥٥٠٩).
فهؤلاء الثلاثة كلّهم ثقات قد خالفوا حمادًا في قوله: "من شاء".
فالظاهر أنّ الخطأ فيه يعود إلى حماد بن سلمة؛ لأنه تغيّر حفظه بآخرة فلا يقبل منه إذا خالف الثقات. ومن طريق حميد، عن بكر مخرّج في الصحيحين ولم يذكر فيه: "من شاء".
• عن أنس بن مالك قال: قدم عَلِيّ رضي الله عنه مِن الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ أَهَلَلْتَ؟ "، قَال: بما أهلَّ به النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "لَولا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ".