وسيأتي كلّ هذه الأمور بالتفصيل في موضعه.
وأمّا ما روي عن أبي بكر أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعثه ببراءة لأهل مكة: "لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسولُه".
قال: فسار بها ثلاثًا، ثم قال لعلي رضي الله عنه: "الحقه فرد عليَّ أبا بكر وبلِّغها أنت".
قال: ففعل. قال: فلما قدم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر بكي. قال: يا رسول الله! حدث فيَّ شيءٌ؟ قال: "ما حدث إلّا خير، لكن أُمرت أن لا يبلغه إلّا أنا أو رجل مني" ففيه نكارة.
رواه الإمام أحمد (٤)، وأبو يعلى (١٠٤) من حديث وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثيع، عن أبي بكر، فذكره.
وزيد بن يثيع تفرّد بالرواية عنه أبو إسحاق، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، فمثله لا يكون "ثقة" كما قال الحافظ في "التقريب"، ثم روى في خبره ما ينكر عليه، وهو قوله: "ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني".
وأخرجه الجوزجانيّ في "الأباطيل" (١/ ١٢٨ - ١٣١) وقال: "هذا حديث منكر". ثم رواه من حديث الإمام أحمد وغيره أيضًا وقال: "فهذه الروايات كلّها مضطربة مختلقة منكرة".
وقال الخطابيّ في كتاب "شعار الدين": وقوله: "لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي" هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع، وهو متهم في الرواية، منسوب إلى الرّفض. وعامّة من بلّغ عنه غير أهل بيته، فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن، وبعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة، فأين قول من زعم: أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته؟ ! ". راجع "منهاج السنة" (٥/ ٦٣).
قلت: ثم هو قد اضطرب في رواية هذا الحديث، فمرة قال: عن أبي بكر، فجعله من مسنده. وأخرى قال: سألت عليًا بأيّ شيء بُعثت؟ قال: "بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدّته، ومن لا مدّة له فأربعة أشهر".
رواه الترمذيّ (٨٧١) عن علي بن خشرم، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، قال (فذكره).
قال الترمذي: "حديث حسن".
ورواه الإمام أحمد (٥٩٤) وصحّحه الحاكم (٤/ ١٧٨) كلاهما من حديث سفيان بإسناد، مثله. وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد".
وله أسانيد أخرى ذكرها الدّارقطني في "العلل" (٣/ ١٦٣) وقال: "ما رواه ابن عيينة عن أبي