وفي كلام الحاكم إشارة إلى ما قيل في عطاء بن السّائب أي أنه مختلط، وجرير بن عبد الحميد ممن سمع منه بعد الاختلاط.
قال ابن معين: "ما سمع منه جرير ليس من صحيح حديثه"، وقال العقيلي: "من سمع منه من الكبار صحيح مثل سفيان وشعبة، وأما جرير وأشباهه فلا".
قلت: وهو كما قالوا، ولكن روي سفيان عنه جزءًا من الحديث وهو حطّ الخطايا، وحماد بن زيد ذكر مع الجزء الأول الجزء الثاني من الحديث وهو فضل الطواف، وجمع جرير بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل الجزئين من الحديث في حديث واحد.
فالظاهر أن عطاء بن السائب لم يختلط في رواية هذا الحديث بجزئيه لوجود متابعين لكل جزء منهما من الراويين اللذين سمعا منه قبل الاختلاط. وبهذا صحَّ إسناد الحديث فإن عطاء بن السائب ثقة، وثَّقه الأئمة.
وتابعهما هشيم في جمع أجزاء هذا الحديث في حديث واحد، رواه الإمام أحمد (٤٤٦٢) عنه، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، أنه سمع أباه يقول لابن عمر: ما لي لا أراك تستلم إلّا هذين الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن استلامهما يحطّ الخطايا".
وسمعته يقول: "من طاف أسبوعًا يحصيه، وصلى ركعتين كان له كعدل رقبة". وسمعته يقول: "ما رفع رجلٌ قدمًا ولا وضعها إلا كتبتْ له عشر حسنات، وحُطّ عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات".
وهشيم بن بشير هو أيضًا ممن سمع من عطاء بن السائب بعد الاختلاط.
وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (١٩١٦) من طريق هشيم وقال: "حديث حسن" وهو كما قال لوجود متابعات لهشيم في أجزاء هذا الحديث.
وأمّا ما رواه ابن ماجه (٢٩٥٦) عن علي بن محمد، حدثنا محمد بن الفضيل، عن العلاء بن المسيب، عن عطاء، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من طاف بالبيت وصلّي ركعتين كان كعتق رقبة".
ففيه انقطاع فإنّ عطاء وهو ابن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر.
قال الإمام أحمد: "قد رأى ابن عمر ولم يسمع منه"، وقال ابن معين: "لم يسمع من ابن عمر شيئًا، ولكنه قد رآه ولا يصح له سماع".
قلت: وقد رُوي موقوفًا، رواه ابن جريج، عن عطاء، عنه. رواه ابن أبي شيبة (٤/ ١٩٢).
ورجاله ثقات، وابن جريج مدلس وقد عنعن.
وفي الباب ما رُوي أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا: "من طاف بالبيت خمسين مرة، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه".