وهم واضطراب، فقد وثقه الإمام أحمد وأبو حاتم، فلا يترك من حديثه ما اجتمع عليه الثقات، وقد يكون الوهم من دونه في جعل الحديث من مسند ابن عباس.
وأما ترجيح العقيليّ رواية ابن جريج الموقوفة على ابن عباس فترجيح بدون مرجّح فإنّ محمد ابن عباد بن جعفر لم يسأله لماذا يسجد عليه، وإنما يحكي ما رآه فقط، وهو لا يمنع أن يكون ما فعله مرفوعًا لو سئل لأجاب لا سيما قد جاء من طريق آخر أخرجه البيهقيّ (٥/ ٧٥) من طريق يحيى ابن سليمان الجعفيّ، ثنا يحيى بن يمان، ثنا سفيان، عن ابن أبي حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الحجر.
وقال: "لم يروه عن سفيان إلا ابن يمان، وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين".
قلت: وابن يمان مختلف فيه، فقال ابن معين: أرجو أن يكون صدوقًا.
وقال ابن المديني: كان فلج فتغيّر حفظه.
والظاهر أنه لم يخطئ في هذا الحديث لأنه تابعه فيه غيره في رفعه.
وبهذا تبين أنّ الحديث مرفوع، وهو لا ينزل عن درجة الحسن، والنّفس تطمئن أن يكون من مسند عمر بن الخطاب، ومن قال غير ذلك فإما اختصره أو وهم فيه كما وهم البعض في تعيين جعفر بن عبد الله بن عثمان فقال الحاكم في "المستدرك" (١/ ٤٥٥) بعد أن ساق الحديث من طريق أبي عاصم: جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم.
وقال: "صحيح الإسناد" وهذا وهم منه، كما أن محقق مصنف عبد الرزاق أدخل بين محمد بن عباد وبين ابن عباس رجلًا كناه "أبا جعفر" وهذا كلّه وهم أو خطأ من النساخ كما وهم أبو يعلى (٢١٩) في نقله عن أبي داود الطيالسي، فلم يذكر بين محمد بن عباد وعمر بن الخطاب "ابن عباس" فصار الإسناد منقطعًا.
ولكن قال الهيثميّ في "المجمع" (٣/ ٢٤١): عن ابن عمر قال: "رأيت عمر بن الخطاب قبّل الحجر وسجد عليه، ثم عاد فقبّله وسجد عليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وقال: "رواه أبو يعلى بإسنادين، وفي أحدهما جعفر بن محمد المخزومي وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه البزار من الطريق الجيد".
قلت: البزار أيضًا رواه من طريق جعفر بن محمد المخزوميّ كما سبق. وأما رواية أبي يعلى من طريق جعفر بن محمد ففيها انقطاع كما رأيت أو سقط، وهذا السقط ليس هو ابن عمر، بل هو ابن عباس.
وأمّا الرّواية الثانية عند أبي يعلى فهي كما يأتي من طريق ابن عمر، فالهيثمي وهو آخر من خلّط بين حديث ابن عباس وبين حديث ابن عمر والله المستعان.
وأمّا الرّواية الثانية التي أشار إليها الهيثميّ فهي ما رواه أبو يعلى (٢٢٠) عن زكريا بن يحيى زحموية الواسطيّ، حدّثنا عمر بن هارون، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد الله، عن