ولم يسق لفظه، وإنما أحال على الحديث الذي قبله وهو من رواية مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته بتمامه، غير أنه زاد فيه: "وأمّا الذين كانوا أهلّوا بالحجّ، أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا".
قلت: والمقصود بالطّواف هنا السعي الذي كان قبل الحجّ كما قال البيهقي وغيره، وذلك بيّن في حديث جابر بن عبد الله كما سيأتي.
ولكن يشكل على هذا ما رواه أبو داود (١٨٩٦) عن قتيبة بن سعيد، حدّثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: "أنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة".
فإن كانت تقصد بالطّواف هنا طواف الإفاضة فهو ليس خاصًا بمن كانوا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قارنين، بل حتّى من حلَّ بعمرة، ثم أهلّ بالحجّ أيضًا طاف طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة.
وإن كانت تقصد بالطّواف السّعي، فالصحيح أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه سعوا قبل رمي الجمرة عندما قدموا مكة.
فالظاهر أن هذا خطأ أو وهم وقع من بعض الرواة الذين اختصروا حديث عائشة في الحج؛ ولذا قال الحافظ ابن عبد البر: "الاضطراب عن عائشة في حديثها في الحجّ عظيم، وقد أكثر العلماء في توجيه الروايات فيه، ودفع بعضهم بعضًا ببعض، ولم يستطيعوا الجمع بينها، ورام قوم الجمع بينها في بعض معانيها. وكذلك أحاديثها في الرضاع مضطربة أيضًا. وقال بعض العلماء في أحاديثها في الحج والرضاع: إنما جاء من قبل الرّواة. وقال بعضهم: بل جاء ذلك منها، فالله أعلم" انتهى. انظر: التمهيد (٨/ ٢٢٦ - ٢٢٧).
وقوله: وقال بعضهم: "بل جاء منها" فيه نظر؛ لأنه لا يتصور منها وهي عالمة وفقيهة أن تحدّث أو تفتي وفيه اضطراب. فالظّاهر كما قلت وقع خطأ من بعض الرواة الذين اختصروا الحديث، أو رووه بالمعنى.
• عن عائشة، أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِك".
صحيح: رواه مسلم في الحج (١٢١١: ١٣٣) عن حسن بن علي الحلوانيّ، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني إبراهيم بن نافع، حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عائشة، فذكرته.
• عن عبد الله بن عمر، أنه قال حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: إِنْ صُدِدْتُ عَن الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أهلّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إِنَّ عبد الله نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ