• عن عائشة قالت: الصَّلاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأْقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلاةُ الْحَضَرِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَال: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
متفق عليه: رواه البخاريّ في تقصير الصلاة (١٠٩٠)، ومسلم في صلاة المسافرين (٦٨٥: ٣) كلاهما من حديث سفيان، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، فذكرته.
ومعنى تأويلهما كما قال جمهور أهل العلم أنهما رأيا القصْر جائزًا لا واجبًا، وقيل غير ذلك. انظر "خلاصة النووي" (٢/ ٧٢٥).
وأما ما رُوي عن عثمان -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من تأهّل في بلد فليصل صلاة المقيم" فهو حديث ضعيف. انظر تخريجه في كتاب الصلاة - جموع أبواب صلاة المسافر.
وأضيف هنا ما قاله الحافظ في "الفتح" (٢/ ٥٧٠): "هذا الحديث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويردّه قول عروة: إنّ عائشة تأوّلتْ ما تأوّل عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلًا، فدلّ على وهن الخبر".
وقال: "ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله: "كما تأوّل عثمان" التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت بخلاف تأويل عائشة.
وقيل: إن عثمان إنما أتمّ الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحجّ إلا أنه مرسل. رواه عبد الرزاق عن الزهريّ أن عثمان فذكره.
وقيل: إنّ عثمان بن عفّان أتمّ الصلاة بمني من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ، فصلي بالناس أربعًا ليعلمهم أنّ الصلاة أربع.
رواه أبو داود (١٩٦٤) عن موسى بن إسماعيل، حدّثنا حماد، عن أيوب، عن الزهري، أنّ عثمان بن عفان، فذكره. وهذا أيضًا مرسل.
ولكن يقويه ما رواه البيهقيّ (٣/ ١٤٤) من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن عثمان أنه أتمّ بمني ثم خطب فقال: "إنّ القصر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ولكنه حدث طَغَام (بفتح الطاء والمعجمة، كما في الفتح) - فخفت أن يستنوا".
وعن ابن جريج أنّ أعرابيًّا ناداه في منى: يا أمير المؤمنين، ما زلتُ أصليها منذ رأيتك عام أوّل ركعتين".
قال ابن حجر: "هذه طرق يقوي بعضها بعضًا".
وقال البيهقي عقب حديث عبد الرحمن بن حميد: "وقد قيل غير هذا، والأشبه أن يكون رآه رخصة، فرأى الإتمام جائزًا كما رأته عائشة، وقد رُوي ذلك عن غير واحد من الصحابة مع اختيارهم القصر".