للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد وقفتُ على قصة تدلُّ على ذلك وهي ما وقعتُ بين مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وبين شيخه محمد بن يحيى الذهلي: أن مرويات شيخه كانت عند مسلم مكتوبة.

قال طاهر بن أحمد: "سألتُ مكّي بنَ عبدان لِمَ تركَ مسلمٌ حديثَ محمد بن يحيى؟ فقال: وافى داود الأصبهاني نيسابور أيام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي فعقدوا له مجلس النظر، وحضر مجلسه يحيى بن محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج، فجرتْ لهم مسألةٌ تكلم فيها يحيى بن محمد بن يحيى، فزبره داود، وقال: اسكتْ يا صبي، ولم ينصره مسلمٌ، فرجع إلى أبيه، وشكا إليه داود، فقال محمد ابن يحيى: ومن كان في المجلس؟ قال: مسلم بن الحجاج، ولم ينصرني. قال: قد رجعتُ عن كل ما حدَّثتُه به. قال: فبلغَ مسلمًا قولُ محمد بن يحيى هذا، فجمعَ ما كتبَ عنه، وجعله في زنبيل، وحمله إلى داره، وقال: لا أروي عنك أبدا" (١).

وفي رواية: "ثم بعثَ إليه بما كتب عنه على ظهرِ جمال" (٢).

وكان المنهج السائد في تدوين الحديث في عصرهم وكذا قبلهم وبعدهم السماع أولًا من المؤلف، أو بإسناد متصل عن المصنف، إلا أنهم لا يذكرونه أثناء التأليف أسماء الكتب.

وأوضح مثال على ذلك أن الإمام البخاري روي أحاديث "موطأ الإمام مالك" المرفوعة الصحيحة، عن شيخه عبد اللَّه بن يوسف التنّيسي، عن مالك، ولم يذكر اسم الموطأ في "جامعه".

وقال أبو داود (٣): "وهذه الأحاديث ليس منها في كتاب ابن المبارك، ولا في كتاب وكيع إلا الشيء اليسير، وعامته في كتاب هؤلاء مراسيل، وفي كتاب "السنن" من موطأ مالك بن أنس شيء صالح، وكذلك من مصنفات حماد بن سلمة، وعبد الرزاق، وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم أعني مصنفات مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الرزاق" انتهى.


(١) تاريخ دمشق (٥٨/ ٩٣).
(٢) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٧٢).
(٣) رسالة أبي داود إلى أهل مكة (ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>