ابن المغفل قال فذكر الحديث، إلا أن البعض اختصره.
وإسناده صحيح، وقد صرح الحسن بأنه سمع هذا الحديث من عبد اللَّه بن المغفل، لما رواه الإمام أحمد (٢٠٥٤٨) عن وكيع، عن أبي سفيان بن العلاء قال: سمعت الحسن يحدث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم". قال: فقال له رجل: يا أبا سعيد، ممن سمعت هذا؟ قال: فقال: حدثنيه -وحلف- عبد اللَّه بن مغفل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منذ كذا وكذا، ولقد حدثنا في ذلك المجلس". انتهى.
ونحوه ذكره أيضًا ابن حبان (٥٦٥٦)، وكذلك عند الإمام أحمد (٢٠٥٦٤) عن عبد الصمد: سألت الحسن عن الرجل يتخذ الكلب في داره قال: حدثني عبد اللَّه بن مغفل أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من اتخذ كلبا نقص من أجره كل يوم قيراط".
وأما زعم ابن حبان: "ليس لأبي سفيان بن العلاء في الدنيا حديث مسند غير هذا" فليس كما قال: فإن له حديثًا آخر، وهو: "إذا حضرت الصلاة وأنتم في مرابض الغنم فصلوا، وإذا حضرت وأنتم في أعطان الأبل فلا تصلوا؛ فإنها خلقت من الشياطين". رواه الإمام أحمد (٢٠٥٤١) عن وكيع، عن أبي سفيان بن العلاء، عن الحسن، عن ابن المغفل فذكره.
والحسن مدلس، ولم يصرح بالسماع، وإن كان صرح بالسماع عنه في حديث قتل الكلاب، ولكن لا يلزم من هذا سماع جميع ما روى عنه.
فقه هذا الباب:
يستفاد من أحاديث هذا الباب أن بيع الكلب وثمنه حرام، وبه قال جمهور أهل العلم، منهم الشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وإسحاق، وغيرهم، سواء كان معلَّمًا أو غير معلَّم، ولا قيمة على متلفه.
ورواية عن مالك: لا يجوز بيعه، وعلى متلفه القيمة، كأم الولد، لا يجوز بيعها، وتجب القيمة على متلفها.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ما أبيح اقتناؤه جاز بيعه، وما يحرم اقتناؤه يحرم بيعه.
وهو مذهب وسط، ولا بأس بالعمل على هذا لشدة الحاجة إليه، ولا سيما في بعض القطاعات كالجمارك والمطارات والشرطة وغيرها.
وقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى جواز بيع الكلاب التي فيها نفع، كما في العمدة (١١/ ٢٠٣) بلفظ: "وأما بيع ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذب والدب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا".
وقد جعل الطحاوي أن الأمر بقتل الكلاب ثم نسخَه، هو العامل في اختلاف الحكم. فلما أمر بقتل الكلاب حرم ثمنها، ثم أبيح الانتفاع للاصطياد وغيره، ونهي عن قتله، فنسخ ما كان من النهي عن بيعها، وتناول ثمنها.