نعم. فقال عمر بن الخطاب: "اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته".
رواه مالك في الأقضية (٢١) عن ابن شهاب، عن سنين أبي جميلة فذكره.
ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٢٠١ - ٢٠٢)، والصغرى (٢٢٣٤) بتحقيقي.
وإسناده صحيح إلا أنه موقوف على عمر، وذكره البخاري (٥/ ٢٧٤) تعليقا بالجزم، فقال: "وقال أبو جميلة: وجدت منبوذا، فلما رآني عمر قال: "عسى الغوير أبؤسا". كأنه يتهمني. قال عَريفي: إنه رجل صالح. قال: كذلك، اذهب وعلينا نفقته". انتهى
وقوله: "عسى الغوير أبؤسا". الغوير تصغير غار، وأبؤسا جمع بؤس، وهو الشدة. وهو مثل قديم يقال عند التهمة، ومعناه ربما جاء الشر من معدن الخير، أراد عمر بقوله هذا: لعلك زنيت بأمه، وادعيته لقيطا.
قلت: لا خلاف بين أهل العلم بأن اللقيط يكون حرا. ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. "الإجماع" (٥٧٠).
وأما قول عمر "ولاؤه لك" فلم يقل أحد -فيما أعلم- بظاهر".
قال مالك عقب رواية الأثر: الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر، وأن ولاءه للمسلمين، هم يرثونه، ويعقلون عنه.
وقال البيهقي في "الصغرى": "ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "ولاؤه لك" ولاء الإسلام، لا ولاء العتاق".
وقال ابن عبد البر: "ذهب مالك والشافعي وجماعة من أهل الحجاز أن اللقيط حر، لا ولاء لأحد عليه".
وقال: "وتأولوا قول عمر: "لك ولاؤه" أي لك أن تليه، وتقبض عطاءه، وتكون أولى الناس بأمره حتى يبلغ رشده، ويحسن النظر لنفسه، فإن مات كان ميراثه لجماعة المسلمين، وعقله عليهم". انتهى. الاستذكار (٢٢/ ١٥٧ - ١٥٨).
واللقيط في الغالب يستعمل في الطفل المفقود المطروح على الأرض فرارا من تهمة الزنا، أو لسبب غير معلوم. والملتقط له الحق في إمساك اللقيط إلا إن خاف على نفسه من تهمة السرقة، فيرفع أمره إلى الحاكم، ويستأذن منه للإمساك إن شاء، أو يرده إلى دار التربية.
وأما نسب اللقيط فيكون مجهولا إلا إذا ادعى أحد فتقبل دعوته بدون بينة؛ لما فيه من الشرف والكرم يعود على اللقيط، إلا أن يكون المدعي أكثر من واحد، فيطلب من كل واحد بينة.
• * *