وقوله: "السائبة" هو: أن يقول السيد لعبده: لا ولاء لأحد عليك، أو أنت سائبة. يريد بذلك عنقه، وأن لا ولاء لأحد عليه. وقد يقول له: أعتقتك سائبة، أو أنت حر سائبة.
وحديث عبد اللَّه بن مسعود هو طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان بسنده إلى هزيل قال: جاء رجل إلى عبد اللَّه، فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة، فمات، فترك مالا، ولم يدع وارثا. فقال عبد اللَّه: فذكر حديث الباب، وزاد: وأنت ولي نعمته، فلك ميراثه، فإن تأثمت، أو تحرجت في شيء فنحن نقبله، ونجعله في بيت المال. انتهى كما في الفتح (١٢/ ٤١).
وكذلك رواه أيضًا عبد الرزاق (١٦٢٢٣) عن الثوري بإسناده نحوه، وأخرج عبد الرزاق (١٦٢٢٢) عن معمر، عن قتادة أن ابن مسعود أتاه رجل فقال: مولى لي توفي أعتقته سائبة، وترك مالا، قال: أنت أحق بماله، قال: إنما أعتقته للَّه، قال: أنت أحق بماله، فإن تدعه فأرِنه هاهنا ورثة كثير - يعني بيت المال.
وأخرج أيضًا عبد الرزاق (١٦٢٣٢) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقته امرأة من الأنصار، فلما قتل يوم اليمامة دفع ميراثه إلى الأنصارية التي أعتقته أو إلى ابنها.
عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد اللَّه بن وديعة بن خِدام بن خالد أخي بني عمرو بن عوف قال: كان سالم مولى أبي حذيفة مولى لامرأة منا يقال لها سلمى بنت يعار أعتقته سائبة في الجاهلية، فلما أصيب باليمامة أتى عمر بن الخطاب بميراثه، فدعا وديعة بن خدام، فقال: هذا ميراث مولاكم، وأنتم أحق به. فقال: يا أمير المؤمنين، قد أغنانا اللَّه عنه، قد أعتقته صاحبتنا سائبة، فلا نريد أن نندا من أمره شيئًا، أو قال: نرزأ. فجعله عمر في بيت المال.
رواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة"، ومن طريقه البيهقي (١٠/ ٣٠٠): ثنا محمد بن منصور، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، أنبأ أبي، عن ابن إسحاق فذكره. وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق؛ فإنه مدلس إلا أنه صرّح بالتحديث.
وفي الباب آثار أخرى ذكرها عبد الرزاق والبيهقي وغيرهما.
وأما أقوال العلماء في السائبة: فمنها قول الشافعي: العتق ماض، وولاءه لمعتقه، وإن تحرج من الأخذ به فيجعل في بيت المال.
ومنها: أن ميراث السائبة للمسلمين يرثونه، ويعقلون عنه. وبه قال مالك.
ومنها: أنه لا بأس بيع ولاء السائبة وهبته. وبه قال الكوفيون، وبه قال إبراهيم والشعبي.
وما ذهب إليه الشافعي هو الظاهر من النصوص، ومن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لمن أعتق". وهو الذي يذهب إليه البخاري؛ فإنه بعد أثر ابن مسعود، أورد حديث عائشة، وقال لها: "أعتقيها فإن