قال:"فيقول: وهل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم. فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم، إنّه لا عِدْل له. فيتجلّى لنا ضاحكًا يقول: أبشروا أيّها المسلمون، فإنّه ليس منكم أحدٌ إلّا جعلتُ مكانه في النار يهوديًّا أو نصرانيًّا".
رواه الإمام أحمد (١٩٦٥٤)، والآجريّ في الشريعة (٦٠٧)، وابن خزيمة (٤٦٤)، والدارميّ في الرّد على الجهمية (١٨٠) كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عُمارة، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعريّ، فذكر مثله، واللّفظ لأحمد.
وفي لفظ عند الدّارميّ ونحوه عند الآجريّ عن عمارة القرشيّ أنه كان عند عمر بن عبد العزيز، فأتاه أبو بردة بن أبي موسى الأشعريّ، فقضى له حوائجه، فلما خرج رجع. فقال عمر: أذكر الشيخ؟ فقال له عمر: ما ردّك؟ ألم تقضِ حوائجك؟ قال: بلى، ولكن ذكرتُ حديثًا حدثناه أبو موسى الأشعريّ، أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (فذكر الحديث).
وفيه علّتان:
الأولى: علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف عند جماهير أهل العلم.
والثانية: شيخه عمارة وهو القرشيّ، نقل الذهبي عن الأزديّ أنه قال:"ضعيف جدًّا. روى عنه علي بن زيد بن جدعان وحده"، وأورد جزءًا من الحديث المذكور. الميزان (٣/ ١٧٨).
ولكن لبعض فقراته شواهد صحيحة، مثل قوله:"أبشروا أيّها المسلمون، فإنّه ليس منكم أحدٌ إلّا جعلتُ مكانه في النار يهوديًّا أو نصرانيًّا".
رواه مسلم في التوبة (٢٧٦٧) من وجه آخر عن عون وسعيد بن أبي بردة، حدّثاه أنّهما شهدا أبا بردة يُحدّث عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لا يموت رجل مسلم ولا أدخل اللَّه مكانه النار يهوديًّا أو نصرانيًّا". قال: فاستحلفه عمر بن عبد العزيز باللَّه الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات، أن أباه حدّثه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فحلف له، قال: فلم يحدّثني سعيد أنه استحلفه ولم ينكر على عون قوله.
قال ابن خزيمة رحمه اللَّه تعالى:"إنّ اللَّه عزّ وجلّ إنّما تراءى لهذه الأمة برّها وفاجرها ومنافقها بعد ما تساقط أولئك في النار، فاللَّه تعالى كان محتجبًا عن جميعهم لم يره منهم أحد، كما قال تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [سورة المطففين: ١٤ - ١٧]، فأعلمنا عزّ وجلّ أن مَنْ حُجب عنه يومئذ هم المكذِّبون بذلك في الدنيا، ألا تسمع قوله تعالى:{هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}. وأمّا المنافقون، فإنّما كانوا يكذّبون بذلك بقلوبهم، ويقرّون به بألسنتهم رياءٌ وسُمعةٌ، فقد تراءى لهم رؤية امتحان واختبار، وليكون حجبه إياهم بعد ذلك عن رؤيته حسرة عليهم وندامة، إذ لم يصدّقوا به بقلوبهم وضمائرهم، ويوعده ووعيده، وما أمر به ونهى عنه، وبيوم الحسرة والنّدامة".