قال: "ورواه ابن عيينة عن هارون بن رئاب مرسلا".
وقال النسائي: "هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه، وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم". انتهى.
قلت: وهو كما قال، فإن عبد الكريم وهو ابن أبي المخارق ضعيف عند جمهور أهل العلم.
وأما هارون بن رئاب -بكسر الراء- التميمي فهو ثقة، وثّقه أحمد، وابن معين، والنسائي وغيرهم. روى عنه أبن عيينة وحماد بن سلمة وغيرهما مرسلًا إلا أن هذا المرسل يقوي رواية حسين بن حريث المروزي الذي سبق ذكره في أول الحديث لاختلاف مخارجهما كما هو المقرر في المصطلح الحديث.
فإذا ثبت هذا فقول النسائي: "هذا الحديث ليس بثابت". يحمل على الإسنادين الذين ساقهما، وإلا فالحديث حسن بالإسناد الأول كما مضى، وسكت عليه النسائي. وقد أطلق النووي عليه الصحة كما في "التلخيص" (٣/ ٢٢٥) لعله لوجود مجموع هذه الطرق. واللَّه تعالى أعلم.
• عن جابر بن عبد اللَّه أن رجلا أتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة وهي لا تدفع يد لامس. قال: "طلِّقْها". قال: إني أحبها، وهي جميلة. قال: "فاستمتعْ بها".
حسن: رواه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ١٥٤ - ١٥٥) من طرق عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.
وله شاهد من حديث ابن عباس كما مضى. وإسناده حسن من أجل أبي الزبير.
وقوله: "لا تمنع يد لامس" أشكل على العلماء معناه فقيل: معناه الفجور، وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة، وبهذا قال أبو عبيد والخلال والنسائي والخطابي والغزالي والنووي وغيرهم.
فإن صحّ هذا المعنى فكيف يأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإبقاء، ولذا ذهب الإمام أحمد وغيرُه إلى معنى التبذير، بأنها لا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا من مال زوجها.
ولكن اعترض عليه بأن السخاء مندوب إليه، فلا يكون موجبا لقوله: "طلّقها".
وقيل: معناه أنها لا تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها، فهم منها زوجها من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة، لا أن ذلك وقع منها. هذه المعاني كلها ذكرها الحافظ في "التلخيص".
والذي أميل إليه أن الرجل وقع في قلبه ريبة منها، وفي الوقت نفسه لا يستطيع مفارقتها، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبقاء معها، والصبر عليها، لعلها يتحسن حالُها بخلاف من ذهب إلى الفجور.
وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "استمتع بها" إشارة إلى كثرة الجماع منها لكسر شهوتها حتى لا تعرض نفسها على كل من يتقدم إليها. واللَّه تعالى أعلم.