إحداهما: أنه يطاع في كل من أمر بقتله (أي بخلاف غيره فإنه لا يطاع في كل من أمر بقتله إلا بحقه) والثانية: أن له أن يقتل من شتمه وأغلظ له.
وهذا المعنى الثاني الذي كان له باق في حقه بعد موته، فكل من شتمه، أو أغلظ في حقه كان قتله جائزا بل بعد موته أوكد وأوكد، لأن حرمته بعد موته أكمل، والتساهل في عرضه بعد موته غير ممكن.
وهذا الحديث يُفيد أن سبّه في الجملة يبيح القتل، ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم. انتهى. انظر: الصارم المسلول علي شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (ص ١٢٨ - ١٢٩).
وكذلك من شتم نبيا من أنبياء الله يقتل ولا يستتاب.
قلت: قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتلُ. وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.
وقال: وحكي عن النعمان (أبو حنيفة): "لا يُقتل، يعني الذي هم عليه من الشرك أعظم" الإجماع (ص ١٤٤) وانظر أيضا الأوسط له (١٣/ ٤٨٣).
لأن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا ينتقض العهد بالسب، ولا يُقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات.
ومن التعزير إذا رأى الإمام أن يَقْتل من سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله سياسة لا حدًّا. وأما المسلم إن سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر بذلك، ويقتل بغير الخلاف وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم.
قال الخطابي: "لا أعلم أحدًّا من المسلمين اختلف في وجوب قتله".
وأما ما روي عن علي رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها فهو منقطع.
رواه أبو داود (٤٣٦٢) عن عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي فذكره.
اختلف في سماع الشعبي من علي بن أبي طالب فأثبت سماعه البخاري في صحيحه (٦٨١٢) عن آدم، حدثنا شعبة، حدثنا سلمة بن كهيل، قال: سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد سئل الدارقطني في العلل (٤/ ٩٧) فقال: "سمع منه حرفا ما سمع غير هذا" هو يشير إلى ما ذكره البخاري. وينفي عنه سماعه مطلقا. وكذلك قال أحمد: إن روايته عن علي ليست بشيء. المراسيل (٢٩٠).
وكذلك لا يصح ما روي عن عمير بن أمية، أنه كانت له أخت، وكان إذا خرج إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - آذتْه وشتمت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مشركة، فاشتمل لها يومًا على السيف، ثم أتاها فوضعه عليها فقتلها، فقام بنوها فصاحوا وقالوا: قد علمْنا من قتلها، فتُقْتل أمنا؟ وهؤلاء قوم لهم آباء وأمهات