يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارًا. وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذبًا، إذ كان عامة الموتى لا يُصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد. إذ عامة المرتدين يموتون، ولا يُصيبهم مثل هذا وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه، ولكذب الكاذب، إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد".
ثم قال رحمه الله: "ونظير هذا ما حدثنا أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر، وهو ممتنع علينا، حتى نكاد نيأس إذ تعرض أهله لسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوقيعة في عرضه، فعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا بما قالوه فيه.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب حالهم مع النصاري كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين.
وكذلك لما تمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابن أبي سرح أهدر دمه لما طعن في النبوة وافترى عليه الكذب، مع أنه قد آمن جميع أهل مكة الذين قاتلوه وحاربوه أشد المحارية، ومع أن السنة في المرتد أنه لا يقتل حتى يستاب إما وجوبا أو استحبابا.
وسنذكر - إن شاء الله تعالى - أن جماعة ارتدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوا إلى التوبة وعرضت عليهم حتى تابوا فقبلت توبتهم.
وفي ذلك دليل على أن جرم الطاعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الساب له أعظم من جرم المرتد". الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ص ١٤٨).