فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تُخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ".
صحيح: رواه مسلم في الجهاد والسير (١٧٣١: ٢، ٣) من طريق سفيان (هو الثوري)، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه .. فذكره.
ثم أشار مسلم عقبه إلى أن هذا الحديث رواه النعمان بن مقرن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.
وروي عن أبي البختري أن سلمان حاصر قصرا من قصور فارس فقال لأصحابه: دعوني حتى أفعل ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني امرؤ منكم وإن الله رزقني الإسلام، وقد ترون طاعة العرب، فإن أنتم أسلمتم وهاجرتم إلينا فأنتم بمنزلتنا، يجري عليكم ما يجري علينا، وإن أنتم أسلمتم وأقمتم في دياركم فأنتم بمنزلة الأعراب يجري لكم ما يجري لهم ويجري عليكم ما يجري عليهم، فإن أبيتم وأقررتم بالجزية فلكم ما لأهل الجزية وعليكم ما على أهل الجزية، عرض عليهم ذلك ثلاثة أيام ثم قال لأصحابه: انهدوا إليهم ففتحها.
رواه الترمذي (١٥٤٨) من طريق أبي عوانة - وأحمد (٢٣٧٢٦) من طريق إسرائيل - و (٢٣٧٣٤) من طريق حماد بن سلمة - كلهم عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري (هو سعيد بن فيروز الطائي) .. فذكره. والسياق لحماد بن سلمة.
وقال الترمذي: "حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب، وسمعت محمدًا يقول: أبو البختري لم يدرك سلمان؟ لأنه لم يدرك عليا وسلمان مات قبل علي".
قلت: وعلى هذا فإسناده منقطع.
وعطاء بن السائب اختلط، ولكن حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط.
وقوله: "فنهد إليهم" أي نهض إليهم.
وكان ذلك في السنة السادسة عشر، وقد بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص لغزو كسرى، فلم يبق من غربي دجلة إلى أرض العرب أحد من الفلاحين إلا تحت الجزية والخراج، وامتنع نهر شهر من سعد أشد الامتناع، فبعث إليهم سعد سلمان الفارسي، فدعاهم إلى الله عز وجل، أو الجزية أو المقاتلة، فأبوا إلا المقاتلة. انظر: البداية والنهاية (٧/ ٦٣).
وفي الباب عن ابن عباس قال: "ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما قط إلا دعاهم".
رواه أحمد (٢١٠٥)، وعبد بن حميد (٦٩٧)، والدارمي (٢٤٨٨) والحاكم (١/ ١٥)، والبيهقي (٩/ ١٠٧) من طرق عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عباس ..