إذ ذاك لعله لم يكن موجودًا. وإن كان فلم يكن مع عمه. ولا مع أبي بكر. وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل: أرسل معه عمه بلالًا، ولكن قال: رجلًا" انتهى.
وقد ذكر هذه القصة محمد بن إسحاق في سيرته وليس فيها ذكر أبي بكر وبلال.
قال ابن إسحاق: ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرًا إلى الشام، فلما تهيّأ للرحيل، وأجمع السير، صب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرقّ له أبو طالب، وقال: والله! لأخرجن به معي، ولا أفارقه، ولا يفارقني أبدًا. أو كما قال، فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيرى. في صومعة له، وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب، إليه يصير علمهم عن كتاب - فيما يزعمون - يتوارثونه كابرًا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى، وكانوا كثيرًا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يكلمهم، ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا قريبًا من صومعته، صنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك - فيما يزعمون - عن شيء رآه، وهو من صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركب، حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم، ثم أقبلوا، فنزلوا في ظل شجرة قريبًا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرى، نزل من صومعته، وقد أمر بطعام فصنع، ثم أرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش! فأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم. فقال له رجل منهم: والله! يا بحيرى! إن لك لشأنًا اليوم! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمرّ بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا، فتأكلوا منه كلكم. فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من بين القوم لحداثة سنه، في رحال القوم، تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم، لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي. قالوا: يا بحيرى! ما تخلف أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدثنا سنًا، فتخلف في رحالنا. قال: لا تفعلوا! ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. قال: فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن كان للؤمًا بنا، أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا. ثم قام إليه، فاحتضنه، وأجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرى، جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى، وقال له: يا غلام! أسألك بحق اللات والعزى، إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. وإنما قال له بحيرى ذلك، لأنه سمع قومه يحلفون بهما. فزعموا أن رسوك الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما، فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فقال له: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله، من نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه،