قال: فقلت: والله! إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالًا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال: فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك، قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها. فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا ابن أخي! والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى، قال: فأناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استووَا بالأرض عدَوَا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن. قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفًا ولا عدلًا ولا توبةً، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم، قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله تعالى فيهم، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: ٥٣ - ٥٥]. قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال: فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهّمنيها. قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال: فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة.
حسن: رواه محمد بن إسحاق، قال: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله، عن أبيه عمر بن الخطاب. قال: فذكره. سيرة ابن هشام (١/ ٤٧٤ - ٤٧٦) وإسناده حسن من أجل الكلام في محمد بن إسحاق.
وأما ما رُوي عن علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أتى القوم، فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يؤتم ولده، أو يرمّل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي.
قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه. فهو ضعيف.