وأما حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى فرواه البيهقي في الدلائل (٢/ ٤٩١ - ٤٩٢) من طريقين عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدت عن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت منتحيًا، فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبد الله! إنما أنا امرأة وليس معي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى، قال: فلم يجبها، وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز يسوقها فقالت: يا بنيّ، انطلق بهذه العنزة والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما: تقول لكما أمي: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا، فلما جاء قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انطلق بالشفرة وجئني بالقدح" قال: إنها قد عزبت وليس بها لبن، قال:"انطلق" فجاء بقدح فمسح النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرعها، ثم حلب حتى ملأ القدح، ثم قال:"انطلق به إلى أمك" فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال:"انطلق بهذه وجئني بأخرى" ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر، تم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا، فكانت تسميه المبارك، وكثرت غنمها حتى جلبت جلبًا إلى المدينة، فمرّ أبو بكر فرآه ابنها فعرفه فقال: يا أمه، هذا الرجل الذي كان مع المبارك. فقامت إليه فقالت: يا عبد الله! من الرجل الذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو! قالت: لا، قال: هو نبي الله. قالت: فأدخلني عليه. قال: فأدخلها، فأطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاها. زاد ابن عبدان في روايته: قالت: فدلني عليه. فانطلقت معي، وأهدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من أقط ومتاع الأعراب، قال: فكساها وأعطاها. قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت.
قال البيهقي:"وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد ويزيد في بعضها فهي قريبة منها، ويشبه أن يكونا واحدة، وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئًا يدل على أنها وهذه واحدة، والله أعلم".
قال ابن كثير في البداية والنهاية (٢/ ٤٧٥): "والظاهر أنها هي".
وقال: وإسناده حسن.
قلت: ولكن فيه انقطاع بأن ابن أبي ليلى لم يدرك أبا بكر الصديق، فما كان هذا سبيله فهو لا ينزل عن درجة الحسن عند أكثر أهل العلم وخاصة أن شهرة هذه القصة واستفاضتها عند علماء أهل السير تفيد بأن لها أصلًا.
ونقل ابن كثير عن أبي نعيم وغيره أن أبا معبد أسلم وهاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أم معبد هاجرت وأسلمت ولحقتْ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأم معبد اسمها عاتكة بنت خالد وهو أخو حبيش بن خالد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيل البطحاء