بقتال في الشهر الحرام". فلمّا قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام. وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، حتَّى أنزل الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ}[البقرة: ٢١٧].
فلمّا نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرّج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نُفديكموهما حتَّى يقدم صاحبانا - يعني سعد بن أبي وقَّاص، وعُتبة بن غزوان - فإنّا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم". فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم.
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى قُتل يوم بئر معونة شهيدًا، وأمّا عثمان بن عبد الله فلحق بمكة، فمات بها كافرًا.
ذكره ابن إسحاق. سيرة ابن هشام (١/ ٦٠٢ - ٦٠٥).
رُوي عن سعد بن أبي وقَّاص قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جاءته جهينة، فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتَّى نأتيك وتؤمنا، فأوثق لهم فأسلموا، قال: فبعثتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب، ولا نكون مائة، وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم وكانوا كثيرًا، فلجأنا إلى جهينة فمنعونا، وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقلنا: إنّما نقاتل من أخرجنا من البلد الحرام في الشهر الحرام، فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقال بعضنا: نأتي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره، وقال قوم: لا بل نقيم هاهنا، وقلت أنا في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها، فانطلقنا إلى العير وكان الفيء إذ ذاك: من أخذ شيئًا فهو له، فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمر الوجه، فقال: "أذهبتم من عندي جميعًا وجئتم متفرقين؟ إنّما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلًا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش" فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي فكان أول أمير أمر في الإسلام.
رواه ابن أبي شيبة (٣٧٨٠٦)، وعبد الله بن أحمد (١٥٣٩) فيما وجده في كتاب أبيه بخط يده، وفيما زاده على أبيه، والبزّار (كشف الأستار ١٧٥٧) كلّهم من طرق عن مجالد بن سعيد، عن زياد بن عِلاقة، عن سعد بن أبي وقَّاص فذكره.
واقتصر البزّار على الجزء الأخير من الحديث وهو قوله: "أول أمير عقد له ... ".
وإسناده ضعيف، مجالد بن سعيد ضعيف، وزياد بن عِلاقة لم يسمع من سعد بن أبي وقَّاص.
وفي السنة الثانية للهجرة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه يتعرض لقافلة تجارية قادمة من الشام يقودها أبو سفيان، ويقوم على حراستها أربعون رجلًا.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان.