أصحابك إلى أهل نجد، فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخشى عليهم أهل نجد" قال أبو براء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعو الناس إلى أمرك.
فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين.
سيرة ابن هشام (٢/ ١٨٣ - ١٨٤) وهو مرسل.
رواه أيضًا عبد الرزاق (٩٧٤١) عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني ابن كعب بن مالك فذكر نحوه وهو مرسل أيضًا.
قول ابن إسحاق: أربعين رجلا وهم، والصحيح سبعين رجلا كما في الصحيحين. فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان خال أنس بن مالك، وعامر بن فهيرة مولى الصديق فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب، وأوعز إلى رجل فأنفذه بالرمح من خلفه فقال حرام: فزت ورب الكعبة.
ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن نخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعل وذكوان فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم. فلما رأوهم أخذوا سيوفهم، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتثّ من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا.
إلا عمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن محمد بن عقبة، فقد كانا في سرح القوم فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر، فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتها وأقفة، فقال المنذر لعمرو: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره الخبر، فقال المنذر بن محمد: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال.
وقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه شهيد البطولة والوفاء، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جزّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت عن أمة فيما زعم، فخرج عمرو قاصدًا المدينة، فلقي رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من الرسول وهو لا يعلم، فأمهلهما حتى ناما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب بهذا ثأرًا من بني عامر، فلما قدم عمرو وأخبر الرسول بقصتهما قال:"لقد قتلتَ قتيلين لأدينهما".
ثم قال:"هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا" فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار ابن أخيه عامر إياه، فذهب ابنه ربيعة إلى عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح انتقامًا منه على فِعلته النكراء، فجرح ولكنه لم يمت، ثم وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قاصدًا الغدر به فمنعه الله منه، وقد دعا