ذلك، فكتّفوا، ثمّ عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم. فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه إلى السماء ثمّ قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد".
• عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتًى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ فِي سِنِّي، وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِرُمَّةٍ وَنِسْوَةٌ مُجْتَمِعَاتٌ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْهُ: يَا فَتَى، فَقُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّةِ، فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ حَتَّى أَقْضِيَ إلَيْهِنَ حَاجَةً، ثُمَّ تَرُدَّنِي بَعْدُ، فَتَصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْتَ. فَأَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقُدْتُهُ بِهَا، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: اسْلَمِي حُبَيْشِ، عَلَى نَفَذٍ مِنْ الْعَيْشِ:
أَرَيْتُكِ إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ إحْدَى الصَّفَائِقِ
أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفارِقِ
فَإِنِّي لَا ضَيَّعْتُ سِرَّ أَمَانَةٍ وَلَا ... رَاقَ عَيْني عَنْكَ بَعْدَكَ رَائِقُ
سِوَى أَنَّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنْ الْوُدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَامُقُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، (قَالَ) قَالَتْ: وَأَنْتَ فَحُيِّيتُ سَبْعًا وَعَشْرًا، وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى. قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفْتُ بِهِ. فَضرِبَتْ عُنُقُهُ.
حسن: رواه محمد بن إسحاق قال: حَدَّثَنِي يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزّهري، عن ابن أبي حدرد الأسلمي قال: فذكره. سيرة ابن هشام (٢/ ٥٣٣ - ٥٣٤).
وإسناده حسن من أجل تصريح محمد بن إسحاق إِلَّا أني أخشى فيه من الانقطاع بين الزهري وبين ابن أبي حدرد، واسمه عبد الله بن أبي حدرد. ثمّ وقفت على روايات أخرى وفيها زيادة "عن أبيه" هكذا رواه أبو نعيم في معرفة الصّحابة (٤٠٨٩) والبيهقي في الدلائل (٥/ ١١٥) والخرائطي في اعتلال القلوب (٢٥١) وهكذا نقله أيضًا ابن حجر في الإصابة (٤٦٤٣) وبهذا ثبت الإسناد.
قال ابن إسحاق: فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي عن أشياخ منهم عمن كان حضرها منهم، قالوا: فقامت إليه حين ضربت عنقه، فاكبتْ عليه، فما زالت تقبّله حتَّى ماتت عنده.