وصلى الناس عليه أفذاذا، لا يؤمّهم أحدٌ، فقال ناس: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه"، فحُفِرَ له فيه، فلما كان عند غسله، أرادوا نزعَ قميصه، فسمعوا صوتا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.
هذه رواية يحيى عن مالك، وفي رواية أبي مصعب الزهري (الجنائز ٩٧١) عن مالك قال: إنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذا، لا يؤمّهم أحدٌ، فقال ناس: يُدفن عند المنبر وقال آخرون: يُدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه"، فحفر له فيه، ثم ذكر بقية الحديث مثله.
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (٢٤/ ٣٩٤) بعد أن ذكر الحديث بهذا اللفظ: "هذا الحديث لا أعلمه يُروى على هذا النسق بوجهٍ من الوجوه غير بلاغ مالك هذا، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة، وأحاديث شتى جمعها مالك.
قلت: هذا هو الصحيح، فقد رُويَ هذا الحديث من أوجه كثيرة تفيد الصحة منها:
• عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ما نسيته قال: "ما قبضَ الله نبيًا إلا في الموضع الذي يُحب أن يدفن فيه".
حسن: رواه الترمذي في سننه (١٠١٨) وفي الشمائل (٣٧٢) والبزار في مسنده (٦٠)، وأبو يعلى (١/ ٤٦) كلهم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة، فذكرته.
قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يُضعف من قِبل حفظه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، فرواه ابنُ عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: ابن أبي مليكة مختلف في توثيقه، وخلاصته أنه يُحسّن حديثه إذا يوجد ما يؤيّده، وهذا منه.
فقد روي أيضا عن ابن عباس كما قال الترمذي أنه قال: "لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده، وقال قائلون يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما قبض نبيّ إلا دُفنَ حيث يُقبض".
رواه ابنُ ما جه (١٦٢٨)، والبزار (١٨)، وأحمد (٢٦٠) والبيهقي في دلائل النبوة (٧/ ٢٦٠) كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
وفيه حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف. وبه أعله الحافظ ابن حجر في الفتح (٥/ ٥٢٩) فقال: "حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف"، وقال: "وله طريق أخرى مرسلة، ذكرها البيهقي في الدلائل".
وفيه أيضا محمد بن إسحاق، وهو مدلس إلا أنه صرح بالتحديث عند ابن ماجه وغيره.
ومنه ما رواه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون قال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدروا أين