شأنك؟ فقال: شرّ، كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد حبط عملُه، وهو من أهل النّار! فأتى الرّجلُ فأخبره أنّه قال كذا وكذا.
فقال موسى بن أنس: فرجع المرّة الأخيرة ببشارة عظيمة فقال: "اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكن من أهل الجنّة".
متفق عليه: رواه البخاريّ في المناقب (٣٦١٣)، وفي التفسير (٤٨٤٦) عن علي بن عبد اللَّه، حدّثنا أزهر بن سعد، أخبرنا ابنُ عون، قال: أنبأني موسى بن أنس، عن أنس بن مالك، فذكر مثله.
ورواه مسلم في الإيمان من وجه آخر كما يأتي.
• عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[سورة الحجرات: ٢]. قال: قال ثابت بن قيس: أنا واللَّه الذي كنت أرفع صوتي عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أخشى أنّ أكون من أهل النّار. فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: بل هو من أهل الجنّة". قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنّة. أو كما قال.
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (١١٩: ١٨٨) عن هُريم بن عبد الأعلى الأسديّ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي يذكر عن ثابت، عن أنس، فذكره.
ورواه أيضًا من طريقين آخرين -جعفر بن سليمان، وسليمان بن المغيرة- كلاهما عن ثابت بن قيس، عن أنس بن مالك، قال: كان ثابت بن شمّاس خطيب الأنصار، فلما نزلتْ هذه الآية، فذكر مثله.
هذه الرّوايات الثّلاث تعلِّل ما رواه مسلم نفسه من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك، أنّه قال: لما نزلتْ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى آخر الآية - جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النّار، واحتُبس عن النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل النّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت أشتكى؟ ". قال سعد: إنّه لجاري وما علمتُ له بشكوى. قال: فأتاه سعد، فذكر له قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنا من أهل النّار! فذكر ذلك سعد للنّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بل هو من أهل الجنّة".
قال ابن كثير في "تفسيره": "فهذه الطّرق الثّلاث مُعلِّلة لرواية حمّاد بن سلمة فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ، والصّحيح أنّ حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا؛ لأنّه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنّما تواتروا في سنة تسع من الهجرة".