البيهقي (١/ ٩٥) من طريق يعقوب بن كعب الأنطاكي، ثنا يحيى بن المتوكل البصري، عن ابن جريج، عن الزهري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتمًا نقشه: محمد رسول الله، فكان إذا دخل الخلاء وضعه".
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأما البيهقي فضعّفه بقوله: هذا شاهد ضعيف.
قال الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح (ص ٨٩): "وكأن البيهقي ظن أن يحيى بن المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية، وهو ضعيف عندهم، وليس هو بهية وإنما هو باهلي يكنى أبا بكر ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يقدح فيه قول ابن معين: "لا أعرفه" فقد عرفه غيره. وروى عنه نحو من عشرين نفسًا إلا أنه اشتهر تفرد همام به عن ابن جريج". اهـ.
قلت: لكن قال ابن حبان بعد أن ذكره في ثقات أتباع التابعين (٧/ ٦١٢): وكان يخطئ، ومن أجل ذلك قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ.
وأما رواية يحيى بن الضريس البجلي، فعزاها الحافظ في "التلخيص" (١/ ١٠٨) للحاكم والدارقطني، ولم أجدها فيهما، ولم يذكرها الحافظ نفسه في الإتحاف (٢/ ٢٨٩) في مسند أنس من رواية محمد بن مسلم الزهري عنه. ويحيى بن الضريس ثقة من رجال مسلم، له ترجمة في تهذيب الكمال.
وأما حديث ابن جريج الآخر الذي أشار إليه أبو داود والدارقطني، فهو ما يرويه مسلم في الزينة واللباس (٦٠: ٢٠٩٣) من طريق روح، أخبرنا ابن جريج، أخبرني زياد (بن سعد)، أن ابن شهاب أخبره، أن أنس بن مالك أخبره، أنه رأى في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا "من ورق" يومًا واحدًا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتيم "من ورق"، فلبسوها، فطرح النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
وذكر الخاتم فيه من ورق وهمٌ، وهِمَ فيه الزهري، قال البيهقي في السنن (٤/ ١٤٣): "ذكر "الورق" في هذه القصة وهم سبق إليه لسان الزهري، ومثله أيضا عند البخاري (٥٨٦٨) من طريق يونس، عن ابن شهاب "من ورق"، ولكن الصحيح: "خاتما من ذهب" كما رواه ابن حبان (٥٤٩٢) فإنه رواه أيضا عن ابن جريج بإسناده، ويؤيده ما رواه ابن عمر كما هو مذكور في كتاب اللباس.
فعُلمَ بهذا أن ابن جريج لم يسمع حديث "وضع الخاتم عند إرادة دخول الخلاء" من الزهري، لذا رواه عنه بالعنعنة، ولم يأت في جميع طرقه التصريح بالسماع، وهو معروف بالتدليس عن الضعفاء والمتروكين. لذا أعل الأئمة الحفاظ حديثه بالنكارة على خلاف بينهم في وجه الإعلال، وصحّحوا حديثه الآخر الذي يرويه عن الزهري بواسطة زياد بن سعد، وقد صرّح فيه بالتحديث.
ويظهر منه أن من نظر إلى ظاهر الإسناد، ولم يلتفت إلى تدليس ابن جريج صحّح هذا الحديث منهم الترمذي وابن حبان والحاكم، وابن الملقن وغيرهم، بأنهما حديثان صحيحان، وتوقّف الحافظ ابن حجر عن قبول هذا الحديث لعدم تصريح ابن جريج بالسماع وقال: "ولا علة عندي إلا تدليس