ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة. ثم قال: ما لَك ولهذا! أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن استثبته عما قال.
وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقرَّبْته إليه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:"كلوا" وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وأمر أصحابه، فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ببقيع الغرقد. قال: وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته عرف أني استثبت في شيء وُصِفَ لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحوَّل" فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال: فأعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغَل سلمانَ الرِّقُّ حتى فاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كاتِبْ يا سلمان" فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفَقِير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:"أعينوا أخاكم" فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين وَدِيَّةً، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر - يعني: الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب يا سلمان، ففَقِّرْ لها، فإذا فرغت فائتني، أكون أنا أضعها بيدي" ففقَّرْتُ لها، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها ودية واحدة، فأدَّيتُ النخل، وبقي عليَّ المال، فأُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال:"ما فعل الفارسي المكاتب؟ "