للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن أبا سفيان لما جاء إلى المدينة يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في مدة الهدنة دخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته دونه وقالت: هذا فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت امرؤ نجس مشرك.

فالصواب أن ملك الحبشة أصحمة النجاشي هو الذي زوج أم حبيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن قصة النجاشي ما رواه ابن هشام في السيرة (١/ ٣٣٩ - ٣٤٠) عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: حدثت عروة بن الزبير بحديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة بقصة النجاشي، وقوله لعمرو بن العاص: فوالله! ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه، فقال عروة: أتدري ما معناه؟ قلت: لا، قال: إن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم له من صلبه اثنا عشر رجلًا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة. فقالت الحبشة بينها: لو أنا قتلنا أبا النجاشي، وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه اثني عشر ولدا، فتوارثوا ملكه من بعده فبقيت الحبشة بعده دهرًا. فعدوْا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك، ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبا حازمًا من الرجال، فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت الحبشة مكانه منه، قالت بينها: والله! إنا لنتخوف أن يملَّكه، ولئن ملَّكه علينا ليقتلنا أجمعين، ولقد عرف أنا نحن قتلنا أباه. فمشوا إلى عمه فقالوا له: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه، قال: ويلكم، قتلتم أباه با لأمس وأقتله اليوم، بل أخرجوه من بلادكم، فخرجوا به، فباعوه من رجل تاجر بست مئة درهم، ثم قذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان المساء من ذلك اليوم، هاجت سحابة من سحاب الخريف، فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هم حمقى ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض: تعلمون والله! أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتموه غدوة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه، قال: فخرجوا في طلبه، حتى أدركوه فأخذوه من التاجر، ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك وملَّكوه. فجاءهم التاجر فقال: إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك، فقالوا: لا نعطيك شيئًا، قال: إذن والله! لأكلمنه، قالوا: فدونك، فجاءه فجلس بين يديه فقال: أيها الملك، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم، فأسلموه إليَّ، وأخذوا دراهمي حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي، فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه أو ليسلمنّ غلامه في يديه، فليذهبن به حيث يشاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين ردَّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه. ثم قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور.

<<  <  ج: ص:  >  >>