وأوّل من تصدّى للردّ على من أنكر حجية أخبار الآحاد الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى فقال (١): "قال لي قائل: احدُدْ لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم حتى يثبت عليهم خبر الخاصة. قال: فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو من انتهي به إليه دونه. وقال: لا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:
منها: أن يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدّي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه، لم يدرِ لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أدّاه بحروفه فلم يبق وجهٌ يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إنْ حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه، إذا شركَ أهل الحفظ في الحديث وافق حديثَهم، بريئا أن يكون مدلّسا -يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه، ويحدّث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يحدّث الثقات خلافه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويكون هكذا من فوقه ممن حدّثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو إلى من انتهى به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدّثه، ومثبت على ما حدث عنه، فلا يُستغني في كل واحد منهم عما وصف". انتهى قول الشافعي.
وهذا القول من الشافعي رحمه اللَّه فيه دليل واضح بأن خبر الخاصة إذا رواه من وُجِدَ فيه الصفات التي ذكرها فإنه حجة، ولا يُستغني عنه، وعليه جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء، فإنهم جميعا قالوا: إذا صحّ الخبر فأضربوا بقولي الحائط، وقالوا أيضًا: إذا صحَّ الحديث فلم أقلْ به فأنا مجنون. فردُّ خبر الآحاد بحجة أنها ظنيةٌ ما عُرفَ إلا بعد القرون المفضلة المشهود لها بالخير.
وأما تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد فهو متأخر، ولم يكن معروفا عند المحدثين، وحسب علمي أول من ذكر هذا التقسيم هو الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) في كتابه "الكفاية" فقال: "تقسيم الأصوليين للخبر إلى المتواتر والآحاد"، ولم يعز ذلك إلى أهل الحديث. قال ابن الصلاح في معرفة علوم