الحافظ في "فتحه"(١١/ ٣٦٨)، ولكن لم يرد فيه حديث صحيح بأنَّ إسرافيل هو الذي ينفخ في الصّور.
وأمّا الحديث المشهور بين النّاس الذي يسمى بحديث الصّور، وإنَّ إسرافيل قد التقم الصّور، وهو شاخص بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر، فهو حديث ضعيف وإن كان أورده كثير من أهل العلم في كتبهم.
وهو ما روي عن أبي هريرة، أنه قال: حدّثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في طائفة من أصحابه- فقال:"إنّ اللَّه تبارك وتعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصّور، فأعطاه إسرافيل عليه السّلام فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر". فقال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، وما الصُّور؟ قال:"القرن". قلت: كيف هو؟ قال:"عظيم! والذي نفسي بيده إنّ عظم دارة فيه كعرض السَّماوات -وقال غيره: إنه قال: والأرض- ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصَّعق، والثّالثة: نفخة القيام لربّ العالمين، يأمر اللَّه عزّ وجلّ إسرافيل بالنفخة الأوّلى، فيقولُ له: انفخ نفخة الفزع، فيفزع له من في السماوات والأرض إِلَّا مَنْ شاء اللَّه، ويأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر وهي التي يقول اللَّه تبارك وتعالى:{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ}[سورة ص: ١٥]، فيسير اللَّه الجبال فتمر مرّ السَّحاب ثم تكون ترابا ثم ترتج الأرض بأهلها رجًّا، وهي التي يقول اللَّه تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨)} [سورة النازعات: ٦ - ٨]، فتكون الأرض كالسّفينة المرتفعة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، وكالقنديل المعلّق بالعرش ترجحه الأرواح، فيبيد النّاس عن ظهرها فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها وترجع ويولي النّاس مدبرين فبينا هم على ذلك إذ تصدَّعت الأرض فانصدعت من قطر إلى قطر فرأوا أمرًا عظيمًا، فأخذهم لذلك من الكرب ما اللَّه به عليم، ثم نظروا إلى السّماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقَّت من قطر إلى قطر، ثم انخسفت شمسها وقمرها قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك". قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه؟ فمن استثنى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حين يقول:{فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[سورة النمل: ٨٧]؟ قال: "أولئك الشّهداء وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء فوقاهم اللَّه فزع ذلك اليوم وأمّنهم منه، وهو عذاب اللَّه يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول اللَّه عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)} [سورة الحج: ١ - ٢]. فيمكثون في ذلك البلاء ما شاء اللَّه إِلَّا أنّه يطول، ثم يأمر اللَّه عزّ وجلّ إسرافيل بنفخة الصَّعْق فينفخ نفخة الصَّعق، فيصعق أهل السماوات والأرض إِلَّا من شاء اللَّه، فإذا هم خمدوا جاء ملك الموت عليه السّلام إلى