ارْجعوا فمن وجدتُم في قلبه مثقالَ نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا. ثم يقولون: ربَّنا لم نَذَرْ فيها مِمّن أمرتنا أحدًا. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقالَ ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربَّنا لم نَذَرْ فيها خيرًا".
وكان أبو سعيد الخدري يقول: إِنْ لم تُصَدِّقُوني بهذا الحديث فاقرءوا إنْ شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[سورة النساء: ٤٠]. فيقول اللَّه عز وجل: "شفعت الملائكةُ، وشفع النّبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الرّاحمين فيقبض قبضةً من النّار، فيُخرجُ منها قومًا لم يعملوا خيرًا قطّ قد عادوا حُمَمًا، فيُلْقيهم في نَهر في أفواه الجنّة يقال له: نهر الحياة، فيخرُجُون كما تَخْرُجُ الْحِبَّة في حَمِيل السَّيْل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشّمس أُصَيْفِرُ وأُخَيْضِرُ، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ ". فقالوا: يا رسول اللَّه، كأنّك كنت ترعى بالبادية! قال: "فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفُهم أهلُ الجنّة هؤلاء عتقاء اللَّه الذين أدخلهم اللَّه الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثم يقول: ادْخلُوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم! فيقولون: ربَّنا أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا؟ فيقولون: يا ربَّنا، أيُّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رِضايَ فلا أسخطُ عليكم بعده أبدًا".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٥٨١)، ومسلم في الإيمان (١٨٣) كلاهما من حديث حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكر الحديث، واللّفظ لمسلم.
وقال مسلم: قرأت على عيسى بن حمّاد زُغْبَة المصريّ هذا الحديث في الشَّفاعةِ وقلتُ له: أُحَدِّثُ بهذا الحديث عنك أنَّك سمعت من الليث بن سعد؟ فقال: نعم. قلت: لعيسى بن حماد أخبرَكُم اللَّيثُ بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ أنه قال: قلنا يا رسول اللَّه، أنري ربَّنا؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تضارُّون في رؤية الشّمس إذا كان يومٌ صَحْوٌ؟ ". قلنا: لا. وسُقْتُ الحديثَ حتّى انقضَى آخرُه، وهو نحو حديث حفص بن ميسرة. وزاد بعد قوله: "بغير عمل عملوه ولا قَدَمٍ قَدَّمُوه" "فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه".
قال أبو سعيد: "بلغني أنّ الجسرَ أَدقُّ من الشَّعْرةِ وأَحَدُّ من السَّيْفِ".