والصحيح أنّه مرسل كما قال الترمذيّ. رواه ابن جرير في تفسيره من طرق عن ابن علية، عن الجريري، عن عبد اللَّه بن شقيق أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعتقبه ناس من أصحابه. فلما نزلت:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. خرج، فقال:"يا أيَّها الناس! الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللَّه قد عصمني من الناس".
وهذا أصح فإنّ الحارث بن عبيد أخطأ في رفعه، وقد تكلم فيه من ناحية حفظه. وكذلك روي أيضًا مرسلًا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس وغيرهم.
وهذه المراسيل قد اختلفت مخارجها وهي تقوي بعضها بعضًا. وقد روي مرفوعًا أيضًا عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد اللَّه، وابن عباس وهي كلها معلولة وهي قصة مشهورة في كتب السير والتاريخ.
ومن عصمة اللَّه لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وحفظه ما جاء في الصحيح:
• عن جابر بن عبد اللَّه: أنه غزا مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ نجد، فلما قَفَل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قفل معه، فأدركتهم القائلةُ في واد كثير العِضاةِ، فنزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتفرَّق الناس يستظلُّون بالشجر، فنزلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحت شجرة، وعلَّق بها سيْفَهُ، ونِمنا نومة، فإذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال:"إن هذا اخترطَ عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صلْتا، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: "اللَّه" ثلاثًا، ولم يعاقبْهُ، وجلسَ.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجهاد (٢٩١٠)، ومسلم في الفضائل (٨٤٢) كلاهما من حديث الزهري، حدثني سِنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر فذكره.
واسم هذا الأعرابي غورث بن الحارث كما في البخاريّ (٤١٣٦).
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١١٧٣) عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: "لما غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بني أنمار، نزل على ذات الرقيع بأعلى نخل، فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلي رجليه. فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن هذا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمد! أعطني سيفك أشيمه، فأعطاه إياه، فرعدت يده حتى سقط السيف من يده. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حال اللَّه بينك وبين ما تريد"، فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)}.
وفيه موسى بن عبيد اللَّه ضعيف. ولذا قال أبن كثير في تفسيره:"هذا حديث غريب من هذا الوجه".
• عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نزل منزلا، نظروا أعظم شجرة يرونها، فجعلوها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر،