للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}، فسألته عن الفتون ما هو؟ قال: استأنف النهار يا ابن جبير! فإن لها حديثا طويلا، فلما أصبحت غدوت على ابن عباس؛ لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله عز وجل وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب عليهما السلام، فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان وعد إبراهيم عليه السلام، فقال فرعون: فكيف ترون؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه، ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون قالوا: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا أن تباشروا من الأعمال والخدمة الذي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر، فيقل نباتهم، ودعوا عاما، فلا تقتلوا منهم أحدا، فينشأ الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم، فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون، وتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك.

فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، فلما كان من قابل حملت بموسى، فوقع في قلبها الهم والحزن، وذلك من الفتون، يا ابن جبير! ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به، فأوحى الله جل ذكره إليها أن {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)} [سورة القصص: ٧]، فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت، وتلقيه في اليم، فلما ولدت فعلت ذلك، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان، فقالت في نفسها: ما فعلت بابني؟ . لو ذبح عندي، فواريته، وكفنته، كان أحبّ إليّ أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه، فانتهى الماء به حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون، فلما رأينه أخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهن: إن في هذا مالا، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت فيه غلاما، فألقي عليها منه محبة لم يلق منها على أحد قط {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [سورة القصص: ١٠] من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى، فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه، وذلك من الفتون، يا ابن جبير! فقالت لهم: أقروه، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، حتى آتي فرعون، فأستوهبه منه، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فأتت فرعون، فقالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [سورة القصص: ٩]، فقال فرعون: يكون لك، فأما لي، فلا حاجة لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي يحلف به، لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين، كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها، ولكن الله حرمه ذلك".

فأرسلت إلى من حولها إلى كل امرأة لها لبن تختار له ظئرا، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن، فيموت، فأحزنها ذلك، فأمرت به، فأخرج إلى السوق ومجمع الناس، ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها، فلم يقبل،

<<  <  ج: ص:  >  >>