للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حين جلس، ثم قال: "أما بعد؛ يا عائشة! إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف، ثم تاب تاب الله عليه". قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنّي فيما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت - وأنا جارية، حديثة السن، لا أقرأ من القرآن كثيرا -، إني والله! لقد علمتُ لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدّقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدّقنِّي، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [سورة يوسف: ١٨]، ثم تحولت، واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزِل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت: فسُرِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا عائشة! أما الله، فقد برّأك". قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل. قالت: وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات. ثم أنزل الله هذا في براءتي. قال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} - إلى قوله - {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة النور: ٢٢] قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.

قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: "ماذا علمت أو رأيت؟ " فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت

<<  <  ج: ص:  >  >>