للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١١٤)}

قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} هذا الغلام هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام، وقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق بن إبراهيم، ولكن الصواب أنه إسماعيل، وليس بإسحاق، وهو الذي يدل عليه النظم القرآني من وجوه كثيرة، وفيما يلي ذكرها:

١ - أن الملائكة لما بشّروا إبراهيم بإسحاق قالوا: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: ٥٣]، وإسماعيل وصف بالحلم في الآية الكريمة، وهذا هو الوصف المناسب لهذا المقام.

٢ - قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي: كبَّر هذا الغلام وترعرع وصار يذهب ويمشي مع أبيه، وهذا يدل على أن ذلك الغلام الحليم الذبيح لم يكن كبيرا، وقد اتفق أهل الكتاب والمسلمون أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق، وجاء في سفر التكوين ما يدل على ولادة إسماعيل قبل إسحاق بأربع عشرة سنة، فالظاهر أنها لما وقعت قصة الذبح لم يكن إسحاق ولد بعد.

٣ - قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} ولا شك أن الأمر بذبح الابن الأكبر الوحيد البكر أبلغ في الابتلاء والاختبار، وعزم إبراهيم على تنفيذه أبلغ في الامتثال والطاعة، وإسماعيل كان هو الأكبر والبكر من أولاد إبراهيم.

٤ - قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١)} [هود: ٧١]، فالله عَزَّ وَجَلَّ بشر إبراهيم بإسحاق، وذكر أنه يبارك عليهما، وأنه يولد في حياتهما ولد لإسحاق يكون اسمه يعقوب. فليس من المعقول أن يأمر الله بذبح إسحاق وهو صغير؛ لأن الله تعالى كان قد وعد إبراهيم بأن ابنه إسحاق سيكون له ولد ونسل وذرية.

٥ - إن إسماعيل عليه السّلام سكن في مكة، وشارك أباه في بناء الكعبة، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧]. وقصة الذبح هذه كانت في منى كما أخبر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، وأجمع على ذلك أهل الإسلام قاطبة.

وأمّا إسحاق فلم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على مجيئه إلى مكة، وكذلك لم يذكر المؤرخون من المسلمين ومن أهل الكمَاب وغيرهم مجيء إسحاق إلى مكة طول حياته ولو مرة واحدة. ولذا من المستبعد جدّا أن يكون الذبيح إسحاق، بل هو إسماعيل قطعا بلا ريب للوجوه المذكورة، وقد بسطت هذه المسألة في مقالة مستقلة في كتابي: "دراسات في اليهود والمسيحية" ولا مانع من إيرادها هنا لأهميتها.

الذبيح هو إسماعيل: إن اليهود كعادتهم حرفوا حادثة الذبح ووضعوا اسم إسحاق عليه السّلام

<<  <  ج: ص:  >  >>