وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣٠٦٢) والطبري في التفسير (٢٢/ ١٢٨) كلاهما من طريق معمر عن قتادة، فذكره بنحوه، وزاد فيه: "على الجودي" بعد قوله: "ألقى الله سفينة نوح".
وأخرج ابن جرير (٢٢/ ١٢٨) وابن أبي حاتم (١٠/ ٣٢٢٠) كلاهما من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: "أبقاها الله بباقِردَى من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا". وهذا لفظ الطبري، وليس عند ابن أبي حاتم قوله: "بباقِردَى".
والجزيرة: المقصود بها جزيرة ابن عمر، وهي مدينة كبيرة من أعمال الموصل، والجودي جبل عال مستطيل بالجزيرة في الجانب الشرقي من دجلة.
وجزيرة ابن عمر لا زالت معروفة باسمها هذا، مرسومة به على الخرائط الجغرافية الحديثة على الحدود الشمالية الشرقية السورية.
وهذه الجزيرة تم فتحها في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على يد عياض بن غنم.
انظر: معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري (ص: ١٤٣ - ١٤٥).
وقتادة سمع من بعض الصحابة، منهم أنس بن مالك وأبو الطفيل، فقوله: "أدرك سفينة نوح أوائل هذه الأمة" الظاهر من قوله أنه يقصد الصحابة، فلو كانت هذه القصة صحيحة لتواتر نقلها، كما تواتر نقل الطوفان، لأنها حادثة عظيمة وفيها عبرة لمن بعدهم.
وقتادة مدلس، فأخشى أنه سمع هذه القصة من بعض المجاهيل، ودلَّس فيها.
ولكن لا يمنع ذلك من انكشاف آثار السفينة فيما بعد، فقد تناقلت الصحف العالمية بأن جماعة من الباحثين وجدوا آثار السفينة في جبل الجودي قرب قرية باقردى.
فإن صح هذا فمعنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً}، أي: أبقيناها زمنا بعد نوح للعبرة، ولكن ليس فيه دليل أنه يبقى إلى يوم القيامة، ولذا حمل الآية على قصة نوح من كونه صنع سفينة من خشب وأبحرها بحكم الله تعالى، وأن الله نَجَّاهم من الطوفان الذي أغرق كل شيء حي على كرة الأرض أولى من حملها على السفينة نفسها، وألله تعالى أعلم.
وقوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
• عن أبي إسحاق قال: رأيت رجلا سأل الأسود بن يزيد وهو يعلم القرآن في المسجد، فقال: كيف تقرأ هذه الآية: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أدالا أم ذالا؟ قال: بل دالا، سمعت عبد الله بن مسعود يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: {مُدَّكِرٍ}.
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (٤٨٧١) ومسلم في صلاة المسافرين (٨٢٣) كلاهما من طريق زهير، عن أبي إسحاق، قال: فذكره، واللفظ لمسلم.