كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم واللَّه! إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك. ثم قال محمود: لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان ودعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين دعا، فأرسل اللَّه السحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس، قالوا: أقبلنا عليه نقول ويحك، هل بعد هذا شيء! قال: سحابة مارة.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل من أصحابه يقال له عمارة ابن حزم، وكان عقبيا بدريا، وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقا.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا: فقال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة وعمارة عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أليس محمد يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعمارة عنده-: "إن رجلا قال: هذا محمد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته، وإني واللَّه! ما أعلم إلا ما علمني اللَّه وقد دلني اللَّه عليها، وهي في هذا الوادي، في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها"، فذهبوا، فجاءوا بها. فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: واللَّه! لعجب من شيء حدثناه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- آنفا عن مقالة قائل أخبره اللَّه عنه بكذا وكذا للذي قال زيد بن اللصيت، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: زيدٌ واللَّه قال هذه المقالة قبل أن تأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: إلي عباد اللَّه، إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج أي عدو اللَّه من رحلي، فلا تصحبني.
حسن: رواه محمد بن إسحاق فقال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، بإسناده، فذكره. سيرة ابن هشام (٢/ ٥٢٢، ٥٢٣).
ومن هذا الطريق رواه أيضًا البيهقي في الدلائل (٥/ ٢٣١، ٢٣٢).
وإسناده حسن من أجل تصريح ابن إسحاق، ومحمود بن لبيد من صغار الصحابة، يروي عن رجال من قومه، وهم الصحابة.